بطالة شباب العرب الصاعدة

"في الحقيقة هناك حكومات قليلة جدا تفكر في بطالة الشباب، عندما تقوم بوضع خططها الوطنية"
كوفي عنان - الأمين العام السابق للأمم المتحدة

مرة أخرى، لا غرابة أن تأتي البلدان العربية ضمن عشر مناطق جغرافية في العالم التي سُجل فيها أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العام الحالي. الأهم من هذا، أنها كانت الوحيدة التي بلغ معدل بطالة الشباب فيها 30 في المائة، وفق آخر بيانات منظمة العمل العالمية. وهذه الأخيرة حسمت المسألة بتوقع مروع، هو أن البلدان العربية ستواصل الحفاظ على مركزها، كأعلى موطن لبطالة الشباب في العالم. مع ضرورة الإشارة، إلى أن هناك توقعات بأن تنخفض النسبة بمقدار 0.9 في المائة في العام المقبل لتصل (بحسب المنظمة نفسها) إلى 29.7 في المائة. وهذا يعني حتى الجانب الإيجابي في هذا المجال لا يدعو إلى الاحتفال. لو صدق المتوقعون، فنسبة الانخفاض هذه ستكون مخجلة أكثر منها مصدرا للتفاخر. إنه معدل ضئيل لمستوى من البطالة مروع.
بالطبع هذه الأرقام ليست جديدة، ولكنها تحمل كل عام مزيدا من المخاطر ليس فقط على الأوضاع المعيشية للشباب، بل أيضا على الأوضاع الأمنية في هذا البلد أو ذاك. فقد شهدنا اضطرابات تحولت إلى ثورات، أو ثورات تحولت إلى اضطرابات، كانت شراراتها الأولى البطالة المتعاظمة بصيغتها الأشمل، وبصيغتها المحددة كانت بطالة الشباب في العالم العربي. ورغم أن غالبية البلدان العربية لا تصدر إحصاءات رسمية صادقة بهذا الخصوص، أو تصدر إحصاءات غير واضحة، إلا أن الأمر ليس صعبا في التجول في بعض العواصم العربية، لترى "عديد" الشباب الجالسين في المقاهي في أوقات العمل. بل إن هذا المشهد، بات الصورة الأكثر طبيعية. ومع تزايد أعداد الشباب الجالسين هناك، تتزايد أعدادهم على الحدود بحثا عن مخرج ليس بالضرورة أن يكون آمنا، وهو في كثير من الأحيان يكون قاتلا.
لا يوجد بالطبع حل سحري لأزمة البطالة العربية بما فيها بطالة الشباب. في الوقت الذي لا تزال دول عربية عديدة تعاني آفة تعارض مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. وبصيغة أكثر اعتدالا عدم توافق المخرجات مع هذه المتطلبات. لكن هذه تبقى مسألة أخرى يأتي دورها عمليا بعد أن تكون هناك حلول واضحة لأزمة البطالة، ضمن برنامج معلن ومعروف يتضمن أهدافا محددة. العموميات لم تعد تنفع مع هذا النوع من المشكلات. وفي العقود الماضية ثبت تماما، أن جزءا من الأزمة يعود إلى هذه العموميات. هل يعقل أن مؤسسات دولية كبرى، لا تستطيع الاعتماد على أرقام وإحصاءات حكومية في بعض البلدان العربية؟! رغم أن هذه المؤسسات تحتاج بالفعل لمثل هذه الأرقام ليس لإعلانها فحسب، بل للعمل مع الحكومات على وضع حلول لها.
المصيبة الأكبر هنا، تكمن بصورة مباشرة في الفوضى العارمة التي يشهدها بعض البلدان العربية، الأمر الذي لا يترك مجالا لبحث قضية البطالة، حيث يتعلق الأمر في بعضها بمسألة الحياة والموت، يضاف إلى ذلك، تعاني هذه البلدان وجود حكومات لم تستطع أن تحصل على توصيف الوطنية، بما فيها تلك التي "قيل" إنها انتخبت ديمقراطيا. هذا العراق ومليارات الدولارات المنهوبة، وهذه سورية المسروقة منذ عقود قبل ثورتها الراهنة، وهذا اليمن الذي نهب ويتم تخريبه بشتى الوسائل من عصابات الحوثي والمخلوع علي صالح. وإليكم لبنان المخطوف من قبل حزب الله العميل المعلن لإيران. فضلا عن عدد آخر من البلدان مثل ليبيا وتونس. صحيح أن المصيبة تختلف من حيث الحدة من بلد إلى آخر، لكن الصحيح أيضا، أن البلدان الأقل مشكلة، لم تتقدم على صعيد الحرب على البطالة.
منظمة العمل العالمية، قدمت سلسلة من الدراسات مستندة لإحصاءات متعددة المصادر، لكن المشكلة هنا أيضا ترتبط بأنه حتى الإحصاءات عالية الجودة، لا توفر أرضية صلبة للدراسة والبحث، لماذا؟ لأن هناك نسبة متزايدة من العاطلين الشباب عن العمل ليست مسجلة ضمن القوائم الحكومية، لعزوف الشباب أنفسهم عن التسجيل انطلاقا من يأس واضح من أن مثل هذا التسجيل لن يقدم شيئا إيجابيا لهم. وهذا صحيح ولكنه ليس عمليا. ومن هنا يمكن القول، إن الإحصاءات التي استندت إليها المنظمة لا يمكن اعتبارها كاملة، وأرقام البطالة بين الشباب وغيرهم أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه. ولكن في النهاية، لا بد للانطلاق في مسيرة ما أن يستند إلى شيء. والأهم، ينبغي أن يكون هناك تعاون حقيقي بين الحكومات المعنية بمصيبة البطالة، والمؤسسات العالمية المختصة بها.
بالطبع الحال ليس جميلا جدا على صعيد البطالة في البلدان الناشئة الأخرى، لكنه في نهاية المطاف أفضل بكثير منه في البلدان العربية، ولاسيما مع وجود مستوى مقبول من التنمية في البلدان الناشئة يسهم بصورة مباشرة في تدعيم الحراك ضد البطالة بكل أنواعها. دون أن ننسى، أن البلدان الناشئة تتعاون بالفعل في هذا النطاق الاستراتيجي، من أجل مصلحتها أولا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي