وكيل العالم

يعتقد البعض أنه مخول بوكالة العالم وتصحيح أوضاعه والسعي الحثيث نحو رعاية مصالحه وإعادة الضائعين من أبنائه إلى جادة الصواب ولذلك تجده يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة من حوله ويحمل همومهم، ويرتسم الحزن على ملامح حياته حين لا يقدر الآخرون ما يقوم به من عمل بطولي لإصلاح العالم!
حرصك على المثالية الزائدة في العطاء المبالغ فيه لن يصنع منك بطلا فأنت لست مكلفا برعاية سبعة مليارات شخص في هذا العالم، ولا حمل هموم الأمم الأخرى في أصقاع الأرض، فحتى العبادات التي ستكون سببا ـــ بإذن الله تعالى ـــ في دخولنا الجنة لم يكلفنا الله في تحمل ما لا نطيقه منها "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"!
لو أنك اهتممت بشؤون أسرتك وزوجتك وأبنائك وزرع القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية في عقولهم وتطبيقها في واقعهم وفعل الآخرون مثلك في كل أصقاع العالم لا نصلح أمر العالم تلقائيا بل وأوشكنا ان نحقق حلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة ..!
الكلمة الطيبة صدقة كما أخبرنا الحبيب عليه الصلاة والسلام، ولكنك لست مسؤولا عن قياس مدى تأثر الآخرين بكلماتك الطيبة وملاحقتهم لتعرف كيف أثرت في سلوكهم وحياتهم وقراراتهم، يقول تعالى "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)" سورة الغاشية، كل من حولك من البشر مخيرون ولا يستطيع أحد إجبارهم على شيء، ولا حتى الشيطان الذي "استقعد" لهم إلى يوم القيامة وتعهد بإغوائهم فهو يقول "إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ".
لذلك اترك لعبتك المفضلة في ممارسة دور الوصاية على الآخرين لأنك ستجد نفسك لا شعوريا تنسى واجباتك الأساسية نحو زوجتك وأبنائك ومنزلك وعملك لتنغمس في أداء دور درامي متعب سيهلك أعصابك ويدمر عقلك ويشتت تركيزك وربما تكون خسائرك أكبر بكثير من أرباحك المتوقعة، كل إنسان يتحمل نتائج قراراته وطريقة حياته ومهما حاولت التدخل بنواياك الطيبة وقلبك الأبيض فلن تكون مرحبا بك على الدوام فحدود الخصوصيات عليك ألا تتخطاه مهما بلغ قربك من شخص ما!
لا تكن مثل "معايد القريتين"، فلا أنت الذي رعيت أسرتك وأديت الأمانة ولا أنت الذي شعرت بالرضا في إصلاح من حولك!
وخزة
يقول تولستوي "الجميع يفكر في تغيير العالم لكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي