الاستثمار في إدارة المخاطر المالية قبل الأزمات

نظرا لأن الكوارث الطبيعية يمكن أن تقع في أي مكان وزمان، فإن اتخاذ الاستعدادات بعيدة النظر أكثر فعالية بكثير من الهرولة في مواجهة الأزمة. أدركت هذا بعد أن ضرب الإعصار ميتش بلدي هندوراس واضطرت جدتي إلى إخلاء منزلها بعد أن فاض النهر وبلغ مستوى الطابق الثاني.
ومع جموح أحوال الطقس نتيجة تغير المناخ في أكثر مناطق العالم، تنشد الدول دعم مجموعة البنك الدولي لتحسين قدرتها المادية والمالية على الصمود أمام الكوارث. إننا نعمل بشكل متزايد مع الحكومات لوضع خطط مالية سليمة وإدارة المخاطر قبل أن تقع الواقعة، وليس فقط لتدبير التمويل اللازم لمساعدة البلدان على التعافي بعد الكوارث.
ويمكن للأدوات المستندة إلى السوق ـــ كالتأمين ــــ امتصاص الصدمات في حالة الكوارث الطبيعية، بما يساعد البلدان على تجنب أسوأ الآثار المالية الناجمة عن الأزمة. لكن كثيرا ما تعدم الحكومات الحوافز الملائمة للاستثمار في الحلول المالية قبل وقوع الكارثة. وكثيرا ما يتعرض المشرعون الذين يطلب منهم تخصيص جزء من ميزانية الدولة لأقساط التأمين لضغوط شعبية من أجل الإنفاق على المشكلات الأكثر إلحاحا، وهو أمر مفهوم. إلا أن إهمال الاستعدادات السابقة على الأزمات يمكن أن يكون باهظ التكلفة.
وهذه خمسة أسباب تجعل الاستثمار في إدارة المخاطر المالية قبل الأزمة يساعد على تيسير إتاحة الاحتياجات المطلوبة بعد الكارثة.
الكوارث تكبد المجتمعات تكلفة مؤلمة، خاصة الفقراء والفئات الأشد احتياجا. ومازالت أسواق التأمين تعاني التخلف في عديد من الاقتصادات الصاعدة، مع انخفاض مظلة التأمين ضد الكوارث عن 5 في المائة. ونظرا لأن 17 في المائة فقط من السكان يستطيعون الحصول على خدمات الادخار والتأمين، فإن الأسر والمشاريع الصغيرة والمتوسطة هي التي تتحمل القدر الأكبر من الخسائر.
الحلول التأمينية مهمة للغاية لرسم استراتيجيات شاملة لتمويل مخاطر الكوارث. فالتأمين يقدم التمويل للمناطق الأشد احتياجا له في الوقت الذي يكون فيه أكثر فعالية. ووضع سعر للتأمين يحفز المجتمعات المحلية أيضا على تحسين إدارتها للمخاطر والحد منها.
.ليس هناك منتج يناسب جميع الاقتصادات. ولدى مجموعة البنك الدولي حزمة من المنتجات المالية والخدمات الاستشارية التي يمكن أن تُصمم وفقا لاحتياجات كل بلد، بدءا من الحصول على الحلول المستندة إلى السوق، كالتأمين، إلى خدمات بناء القدرة من أجل تحسين فهم هذه الحلول المالية.
. تدرك البلدان النامية احتياجها لتحسين القدرة على الصمود المالي أمام الكوارث وعلى التخطيط المستقبلي. وضع نماذج للمخاطر يكتسب زخما. تعمل المجموعة مع الشركات التي تصمم نماذج للمخاطر، مثل النموذج الأول للكوارث في جنوب المحيط الهادئ، الذي يدعم حاليا برنامج التأمين ضد مخاطر الكوارث في المحيط الهادئ. هذا النموذج من مخاطر الكوارث الكبيرة يبنى على منظومة المعلومات الخاصة بالمخاطر في منطقة المحيط الهادئ، وهي أول قاعدة بيانات إقليمية تضم أكثر من 3.5 مليون منشأة وبنية أساسية ذات مرجعية جغرافية في 15 دولة جزرية في المحيط الهادئ.
. لا غنى عن القطاع الخاص في مساعدة البلدان والمجتمعات على إدارة المخاطر قبل وقوع الكوارث. فلدى شركات إعادة التأمين ومصارف الاستثمار منتجات مبتكرة تقدم للبلدان حلولا مالية سيادية لمواجهة الكوارث الطبيعية. ومع هذا، فكثيرا ما يحتاج عديد من البلدان إلى المساعدة في بناء قدراتها المؤسسية لتتمكن من تقييم ما إذا كانت المنتجات المقترحة فعالة وسعرها جيد وتنسجم مع الاستراتيجيات الحكومية الراهنة لمواجهة الكوارث.
التجمعات المناهضة لمخاطر الكوارث تضرب مثالا جيدا للشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص. وتقدم المجمعات السيادية للتأمين ضد مخاطر الكوارث في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ تغطية إجمالية قدرها 650 مليون دولار سنويا لـ 21 بلدا. كما يضع كل من الصندوق التركي للتأمين ضد مخاطر الكوارث، وصندوق جنوب شرق أوروبا والقوقاز للتأمين ضد مخاطر الكوارث البنية الأساسية لسوق التأمين ضد مخاطر الكوارث.
ومع هذا، فلكي تفلح إدارة المخاطر المالية كما يجب، يتعين على عديد من البلدان النامية أن:
تدعم قوانين التأمين الأساسية، وتتبنى إطار عمل تنظيميا يستند إلى المخاطر، وتحسن الرقابة والإشراف على قطاع التأمين، خاصة للتأمين على مخاطر الكوارث.
بناء القدرات المحلية وتحسين التدريب العلمي/ الفني حتى تتوافر الخبرات المناسبة لدى مختلف البلدان لمساعدة صناع القرار، كوزراء المالية، على زيادة فهم نماذج المخاطر والتحليل المالي لاتخاذ قرارات واعية بشأن الإدارة المالية للكوارث.
اعتماد ثقافة إدارة المخاطر، وطرح تساؤلات عن "ماذا لو"، والتفكير بعيد المدى الذي يتجاوز الدورات السياسية.
إننا نفحص في مجموعة البنك الدولي حاليا جميع المشاريع التي تمولها مؤسسة التمويل الدولية، ذراعنا المعنية بالإقراض الميسر، في مجال مخاطر المناخ والكوارث، ونعكف على التخطيط لتوسيع نطاق فحص الخدمات التي نقدمها للبلدان متوسطة الدخل ولعمليات الاستثمار التي يقوم بها القطاع الخاص.
ومع هذا، ولكي نكون مؤثرين عالميا بالفعل، فإن عقد شراكة قوية مع صناعة التأمين يمكن أن تزيد من قدرة البلدان المعنية على الصمود، وأن تقلص أوجه الضعف البشرية، في الوقت الذي تحافظ فيه على استمرار المكاسب الإنمائية التي تحققت بشق الأنفس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي