تصحيح أخطاء وأوهام عقارية «3 من 3»

الجزء الثالث والأخير، وهو الأهم.
بيانات وزارة العدل عن الصفقات العقارية تعطي إشارات على حركة السوق. وتسميها الوزارة مؤشرات، وفي هذا تساهل، حيث من الصعب اعتبارها مؤشرات سعرية price indexes بالمعنى المهني الإحصائي. ولا يتسع المقام لإعطاء مزيد من التوضيح.

مساحة المملكة
المملكة ذات كثافة سكانية منخفضة نسبيا، ومن ثم يتعجب كثيرون من صعوبة تملك أكثرية السعوديين لأراض سكنية لا تقل مساحاتها عن 500 م2، وهذا التعجب يجهل أو يتجاهل أن كبر المساحات له تكاليف ثابتة وتشغيلية باهظة منظورة وغير منظورة على المجتمع والعائلات والحكومة.
دول كبيرة وذات كثافة سكانية منخفضة، ونمو سكاني أقل، واقتصادات قوية، ولكن متوسط مساحات أراضي الوحدات السكنية فيها أقل من 500 متر مربع، ومتوسط المسطحات المبنية يتراوح بين 150 متر مربع و200 متر مربع (أقل من المملكة حسب استراتيجية الإسكان). ومتوسط مساحة غرفة النوم الرئيسة master room 27 مترا مربعا تقريبا، وغيرها من الغرف 14 مترا مربعا تقريبا في تلك الدول. والتأكد من هذه المعلومات سهل، فقط عليك البحث من خلال محرك بحث كجوجل باللغة الإنجليزية؛ لتطلع مثلا على ديوان الإحصاءات الأسترالي:
http://www.abs.gov.au/AUSSTATS/abs@.nsf/Previousproducts/1301.0Feature%20Article262005 السبب أن تكاليف التطوير وتوفير المنافع والمرافق وتشغيلها وصيانتها وتوفير الخدمات من أمنية وبلدية وأعمال صيانة مرتفعة أصلا، وكبر المساحات يزيد بشدة التكاليف المنظورة وغير المنظورة الثابتة والتشغيلية، ويزيد الوقت اللازم لتوفيرها. وهناك تكاليف صيانة المنزل وفواتير الكهرباء والماء ونحوها. وتزيد التكاليف بوجود رسوم ملكية (تفرض غالبية الدول رسوم عقار ولها شرائح وتفاصيل كثيرة). وتفاعل كل هذه العوامل ينتج نقطة توازن بين المساحة المرغوبة والموارد المتاحة والتكاليف على المجتمع والأفراد والحكومة، وتتفاوت نقطة التوازن بين الدول حسب ظروفها الاقتصادية وغير الاقتصادية. وتطبيقا على بلادنا، كان الكبر النسبي في متوسط مساحات الوحدات السكنية في مدننا خلال السنوات الأربعين الماضية أحد أسباب (وحتى لا يساء الفهم ليس هو السبب الوحيد) الارتفاع النسبي في أسعار الأراضي المطورة المخدومة بالمرافق والخدمات. ونتفهم أن حجم الأسر عندنا عادة أكبر، ولكن لم ننجح في تحقيق توازن راسخ بين الموارد والاحتياجات على المدى البعيد.

نقاط مهمة
الأولى: لا سبيل إلى رفع متوسط دخل الناس رفعا عظيما إلا بازدهار اقتصادي قوي مستقل عن النفط، أو ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات أعلى مما ساد قبل ثلاث سنوات، ويستمر سنين طويلة، لكن كليهما يجلبان التضخم، خلاف أن حدوث الثاني مستبعد جدا في المستقبل المنظور.
الثانية: إنه لا يتوقع أن تنخفض تكلفة البناء، إلا في حال تطوير أو تبني طرق بناء منخفضة التكلفة، وهذا موضوع تقني هندسي خارج اختصاص ومعرفة الكاتب.
الثالثة: عوامل أهمها نزول أسعار النفط ورسوم الأراضي البيضاء، عملت وتعمل على خفض المتوسط العام لأسعار الأراضي، وتحقيق نقطة توازن جديدة في العرض والطلب. ولكن بصورة متدرجة أي يتطلب وقتا، لكن هناك عوامل معاكسة في التأثير، ولذا من المستبعد أن يتجاوز متوسط الانخفاض العام في البلاد مع الوقت الثلث، يزيد في أماكن، ويقل في أماكن، ويكاد أن ينعدم في أماكن. وتأثير الرسوم ممكن زيادته إذا زيد في مجال تطبيقها وجعلت أعلى من معدل التضخم.
الرابعة: من العوامل المعاكسة أن تطوير وتوفير المنافع والمرافق والخدمات للمخططات الجديدة أمامه صعوبات من موارد وإدارة وغيرهما، ويتطلب وقتا طويلا.
الخامسة: محدودية نسبية في موارد الدولة النقدية والعينية المتاحة للدعم السكني.
السادسة: تخفيض حجم المساكن له حد بسبب ارتفاع معدل زيادة السكان (كبر الأسر).

ما الرأي؟
إذا أخذنا في الحسبان النقاط السابقة، فإنه ينبغي:
أولا: قصر الدعم الحكومي على الفئات الأكثر احتياجا له. أما توسيع دائرة الدعم كما هو حاصل فأنتج تأخرا في وصول الدعم (طوابير انتظار)، والفقراء هم الأكثر تضررا من هذا التأخر.
ثانيا: نرجو أو نتمنى سحب المنح التي لم تستغل بالإحياء.
ثالثا بيع الكهرباء والماء على الجميع بأسعار تغطي التكلفة وهامش ربح معتدل. والهدف تحسين دخل شركتي الكهرباء والماء بما يسهل عليهما تمويل تنفيذ مشاريع التوسع في توفير هذين المرفقين. ويفترض أن يعطى الفقراء والمحتاجون دعما عن طريق آخر، وليس عن طريق خفض أسعار الكهرباء والماء – الشرائح عليها ملحوظات، ولكن التفصيل في هذا الموضوع يطيل المقال.
رابعا: زيادة مراقبة وضبط مصروفات شركتي الكهرباء والماء؛ لأن هناك كلاما عن ارتفاع هذه المصروفات.
خامسا: تحميل أصحاب المساحات الكبيرة من مساكن واستراحات وخلافها رسوما سنوية للمساعدة على سد بعض التكاليف التشغيلية للمرافق والخدمات. كما قد يتبين بعد حين حاجة إلى تعديل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء.
سادسا: دعم النقل العام وتعميمه إلى أوسع دائرة ممكنة.
سابعا: أن يكون المتوسط العام لمساحة أراضي ومسطحات بناء الوحدات السكنية أقل مما نراه الآن، وهذا ما طالبت به استراتيجية الإسكان بلغة صريحة، لكن هذا الخفض له حدود فهناك أسر كثيرة كبيرة العدد. واقتصار الدعم الحكومي على الأكثر احتياجا، وبناء نظام ادخار سكني يوفران جزءا معتبرا من قيمة المسكن يساعدان على حل هذه المشكلة.
ثامنا: تعديل أنظمة البناء بما يسمح بزيادة الكثافة السكانية في الأحياء، بشرط ضبط توفير متطلبات أساسية كمواقف سيارات وأرصفة مناسبة للمشاة.

بديل أنسب لكثيرين من الفلل والشقق
لو اعتبرنا 95 ألف ريال متوسطا لدخل الأسرة السعودية السنوي، فهذا يعني أن سعر المسكن ينبغي أن يكون في حدود نصف مليون ريال تقريبا حتى يصبح تملكه (بتمويل بنكي) غير صعب على نحو نصف العائلات.
أرى أن الحل الأنسب لهؤلاء هو تشجيع ثقافة بناء منازل تاون هاوس على مساحات أراض تتراوح عادة بين 150 و200 متر مربع. التاون هاوس مسكن مستقل بواجهتين أمامية وخلفية وحديقة صغيرة وموقف سيارة أو سيارتين، وهو شائع في دول كأمريكا وبريطانيا وأستراليا. وستكون أسعاره ومصروفاته عادة أقل مقارنة بالفيلا، وهو غالبا أنسب من الشقق وأدوار الفلل للعائلات التي عندها أطفال.

غيض من فيض
ما كتبته غيض من فيض، وأختم مقالي بالعبارة التالية "ما ليس تحت يدك أو في بلدك تراه أحسن أو أقل عيبا، وعندما يكون نفسه تحت يدك أو في بلدك، تراه أقل قيمة أو أكثر عيبا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي