حدود الحرية

هل هناك حرية مطلقة، هل لو تحرر الإنسان من القيود المفروضة عليه من حلال وحرام وعرف وتقاليد وأمن العقوبة، هل سيحترم من حوله ويتعامل بإنسانية ويمتنع عن ارتكاب الأخطاء؟
هذا ما أرادت أن تعرفه أغرب امرأة في التاريخ الصربية "ماريا إبراموفيتش" فنانة من نوع آخر مختلف مميز قد نختلف معها أو نتفق لكنها أبهرت العالم بتجارب استمرت أكثر من 40 عاما جعلت من نفسها مرآة للآخر!
كان من أهم تجاربها تجربة «الإيقاع رقم صفر» عام 1974 التي ولدت من رحم الفن وليس العلوم النظرية، تأخذ الجماهير في عرضها إلى منحى جديد لاكتشاف الذات والجماهير، عرض أداء يختلف عن أنواع الفنون باعتماده على التفاعل بين الفنان والجمهور مباشرة، تختبر فيه حدود قدراتها الجسدية وحدود تصرفات العامة.
في صالة العرض وقفت ماريا ذات الـ23 عاما أمام الجمهور الذي يمثل أغلب شرائح المجتمع وبالقرب منها طاولة وضعت عليها 76 أداة تنوعت بين وردة وشوك وسلاسل وكأس ماء وخبز ومسدس وطلقة واحدة وريش، أملت على الجمهور شروط الأداء، بحيث تسمح لهم باستخدام كل الأدوات المعروضة أمامهم بالشكل الذي يرغبون ولن تعترض على أي تصرف يقومون به أو تتحرك من مكانها ولن يعاقبوا حتى لو أدى الأمر لوفاتها!
كانت مدة العرض ست ساعات، في الساعات الأولى لتجربتها تمتع الجمهور بهدوء نسبي يشوبه الحذر حاولوا فيه الاقتراب من «ماريا» والقيام ببعض التصرفات البسيطة مثل تقديم الماء ولمسها بريش، ولكن بقاءها في حالة السكون والسلبية تجاه تصرفاتهم أغراهم بالمزيد وبدأت الأفكار الشريرة تتحرك في عقولهم وقاموا بتحريكها من مكانها كالدمية، ووضعها على الطاولة ووضع سكين بين قدميها، ثم تقييدهما بالسلاسل وقام أحدهم باستخدام المقص وتمزيق ملابسها وغرس أشواك الورد في جسدها وجرحها بالسكاكين في يديها وقدميها وجرح رقبتها ثم تذوق دماءها السائلة، وتقول ما زالت ندبة الجرح شاهدة على ما حدث، وتنوعت أساليب العنف والوحشية والهمجية تجاهها حتى أن الزوجات كن يشجعن أزواجهن ويوجهنهم لأساليب تعذيبها! وخلال موجة العنف والإذلال التي مورست ضدها حشا أحد الجمهور المسدس بالطلقة وكاد أن يقتلها دون أن تبدي أي اعتراض، كانت دموعها تنهمر دون توقف جراء صدمتها مما حدث لها، وبعد أن انتهت الساعات الست وقفت بجسدها المنهك النصف عار ودموعها تغطي وجهها واتجهت نحو الجمهور الذي فر هاربا، وحين وصلت إلى فندقها وأطلت بوجهها في المرآة وجدت خصلة من شعرها قد شابت!
علقت على تجربتها بجملة واحدة (الحرية المطلقة في عروض الفن والألم تجعل البشر يؤذون الآخرين).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي