هل ستتغير إيران؟

إيران مهمة في المنطقة ولكن العرب لم يعطوها حقها من الدراسة والمتابعة الرصينة. السؤال الذي يرفعه أغلب المتابعين للشؤون الإيرانية هو عنوان هذا المقال. الإجابة عن السؤال أن إيران ستتغير ولكن ليس قريبا "أنطلق من حقيقة أن السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخلية" ستتغير لأسباب أن النموذج الحالي استهلك "جيليا" ولأن النظام ليس في وئام مع النبض الاجتماعي الجديد داخليا أو في علاقته الخارجية مع العالم وخاصة دول الإقليم، ولكن أيضا لن تتغير لأن النظام متماسك كما دللت أحداث 2009 وسعيه للتوسع المستمر، فهناك دولة عميقة ممثلة بالحرس الثوري، حيث يلتقي المركب الأمني مع مصالح النخبة الحاكمة. متماسكة أيضا بسبب أن «الخامنئي» في ظرف يسمح بتغليب العامل الأيدويولجي على القومي إلى حين. الحكام يعرفون قيمة البعد الأيدويولجي، حيث يشكل الفرس أقل من 60 في المائة من السكان. التسابق بين عوامل التغيير وعوامل الاستقرار ينبئ عن استقرار لعدة سنوات ولكن بعد ذلك ستتعاظم قوى التغيير.
الكلمة المؤثرة عمليا فيما سبق "جيليا". لا يمكن فهم الثورية دون أخذ التحولات الجيلية في الاعتبار. حين تولى خامنئي السلطة عام 1989، كان عمره 50 عاما ما مكنه من تراكم النفوذ والسلطة مسلحا بالشرعية الثورية والدفاع عن إيران أثناء الحرب. هذه الظروف ولدت حالة شرعية ولذلك كان الرد حازما وقويا على أحداث 2009. سبق أن ذكر عالم اجتماعي مقيم في لندن في دراسة عن المجتمع أن الجيل الثوري "من هم تقريبا في السبعينيات من أعمارهم" على وشك النهاية العملية في السنوات القليلة المقبلة "لعلها تبدأ مع نهاية فترة روحاني الثانية في 2021". الجيل الذي تلاه لم يتمكن من السلطة الاجتماعية والسياسية، حيث قتل منه الكثير في الحرب وهاجر الكثير ولم يستطيعوا مناكفة جيل الشرعية الثورية، تلى ذلك جيل 2009، وهذا الجيل في طور تأسيس القوة الاجتماعية، حيث أظهر اختلافا جوهريا عن الجيل الثوري في تطلعاته الاجتماعية والسياسية.
العمر الوسيط في 27 عاما ولذلك فإن نصف السكان ولد بعد الحرب ووفاة قائد الثورة الخميني. كما أن الأداء الاقتصادي ضعيف كما عبرت عنه معايير كثيرة منها انخفاض الريال مقابل الدولار بنحو 60 في المائة في السنوات القليلة الماضية. التضييق الاجتماعي والكفاءة الاقتصادية أوجدا جيلا جديدا في حالة تململ ومعارضة للنظام القائم، كما أن هناك نزعة مادية واضحة تاريخيا في الثقافة الفارسية في صراع أحيانا خفي وأحيانا ظاهر مع النظام الديني. ستبدأ سلطة الجيل الجديد في أواسط العقد القادم ولكن أيضا التغيير مرتبط بعوامل أخرى يصعب قراءتها مثل نوعية القيادة بعد خامنئي والحالة الاقتصادية والتجاذب بين القومي "الجيل الجديد" والأيديولوجي "الدولة العميقة ـــ الجيل الثوري والمصالح" وسياسات الدول المؤثرة والإقليمية. اليوم مازالت في حالة استغلال ما يمكن من الحالة الثورية ممثلة في توظيف الدين وغالبا المذهب في المنطقة العربية ومحاولة الحفاظ على استقلال كما تدل تصريحات خامنئي ضد الدول الغربية واختيار المتشدد جُنتي الذي يبلغ من العمر 90 عاما لرئاسة مجلس خبراء القيادة. منطقيا هذا الخوف مبرر إذ إن الانفتاح سيهدد الدولة العميقة ويزيد من قوة خصومها الداخليين. الطبقة الحاكمة ترى أن هذا النموذج يخدم في المدى المنظور ولكنها أيضا تعرف نقاط الضعف والمخاطر ولذلك تجدها تأخذ بسياسة براغماتية في علاقاتها مع الدول المؤثرة من ناحية وعدوانية مع الدول الإقليمية.
الانتقال من وصف النموذج ومحاولة معرفة نقاط القوة والضعف شيء والتعامل مع السياسة إليه شيء آخر. لن أدخل في دهاليز السياسة بحكم التخصص. في نظري يبدأ التعامل مع وغير إيران بتأسيس قوة اقتصادية وليست مالية وقاعدة علمية حقيقية في اختلاف نوعي عما يمارس حاليا. يقول ماو تسي تونق إن الأيديولوجيا تتغير ولكن الجغرافيا لا تتغير ولذلك علينا التسلح بالاقتصاد الحديث والعلم، التعامل مع القوى الخارجية دون قوة ذاتية يفرض نمطا غير متوازن في العلاقات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي