دور المملكة في الاقتصاد العالمي

ينظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها إحدى الدول الأكثر أهمية وتأثيرا في الاقتصاد العالمي. هي صاحبة أكبر اقتصاد عربي، وهي العضو العربي الوحيد ضمن مجموعة الاقتصادات “العشرين” الأكثر حجما على مستوى العالم. وهذه العضوية زادت من دور المملكة في الاقتصاد العالمي. وتشغل المملكة منذ زمن بعيد عضوية دائمة في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
علام وكيف صارت هذه المكانة؟ نتج دور المملكة في الاقتصاد العالمي وسيستمر في أهميته من عدة عوامل، أذكر ما يُرى أنه أبرزها.

وجود الحرمين الشريفين
في المملكة الحرمان الشريفان وتتشرف بخدمتهما. ويأتي للحج والعمرة الملايين سنويا من مختلف دول العالم، وهذا له تأثير لا ينكر فهو يعطيها مركزا دينيا وحضاريا خاصا لدى المسلمين لا يمكن لغيرها أن يدعيه. وتبعا لذلك، بها مقر منظمة المؤتمر الإسلامي منذ تأسيسها عام 1972.

النفط
أهمية المملكة ودورها النفطي معروف للقاصي والداني. ولنا أن نلخصه بكونها صاحبة أكبر احتياطي نفطي مقارنة بتكلفة إنتاج منخفضة، وكونها المصدر الأكبر له، وتبعا لهذين فهي القائد غير الرسمي لـ”أوبك” وهي المؤثر الأكبر في سعر النفط. وقوة هذا الدور لكون النفط أهم سلعة خام، وكون تأثيرات إنتاجه وأسعاره واستثماراته على غيره كبيرة لا يجاريها في القوة تأثير أي سلعة خام أخرى. وهذا “الغير” يشمل كل شيء تقريبا وكل سوق وكل دولة.
الشكل التالي يوضح أهم التطورات النفطية منذ اكتشاف النفط في بلادنا العزيزة.
صحيح حدثت تطورات في السنوات الأخيرة ربما كان أشهرها إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وهي تطورات حدت من دور وتأثير سياسات المملكة النفطية خصوصا و”أوبك” عموما، لكنها ما زالت المؤثر الأكبر في سوق الطاقة والنفط العالمي.

المال
بغض النظر عن التسمية، تعد المملكة صاحبة أحد أكبر الاستثمارات السيادية في العالم التي تجاوزت تريليون ريال، حيث تدير مؤسسة النقد العربي السعودي أصولاً للمملكة موزعة على مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة على حد سواء، ولدى المملكة واحد من أكبر الاحتياطات النقدية في العالم، حيث تبلغ قرابة 2.5 تريليون ريال، وهو واحد من أعلى المستويات في العالم.
كما أن المملكة من كبرى الدول في حجم الاستيراد والتصدير. والمملكة ثاني دولة في العالم من حيث حجم التحويلات (المالية) إلى الخارج. الأولى الولايات المتحدة.
ولهذا فإن السياسات المالية التي تتخذها المملكة لا تؤثر في اقتصادها فقط، إنما لها تأثير واضح واسع في المستوى العالمي، حيث تؤثر في نشاط الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها في التجارة العالمية ومن خلال التحويلات إلى الخارج وسياسة الاستثمار في الأوراق المالية العالمية.

توظيف غير السعوديين
المملكة من أكبر الدول الموظفة للجنسيات الأخرى، حيث يعمل في المملكة قرابة عشرة ملايين غير سعوديين ينتمون إلى عشرات الجنسيات. ولا قيود تقريبا على تحويلات هؤلاء التي تشكل جزءا معتبرا من مصادر دخول بلادهم.

خصخصة أو طرح اكتتاب جزئي لأرامكو
نقلت الأنباء النية في خصخصة كل أو بعض أعمال “أرامكو السعودية”، عبر طرحها في اكتتاب عام. والخصخصة من حيث هي قد تتناول الملكية كلها أو بعضها أو تقتصر على التشغيل كله أو بعضه. وأرجو أن يعرف أن التسمية حيادية لا تعني لذاتها مدحا ولا ذما، ولا تعني تقرير حدود وتفاصيل بعينها لعملية الخصخصة.
تغطي عمليات “أرامكو” حسب علمي كل الخطوات من الاستكشاف حتى تسليم النفط مكررا لشاحنات نقل الوقود، مرورا بعمليات التنقيب والتصفية والتكرير. وبني على هذه العمليات قائمة طويلة من المنشآت والمرافق والمحميات والخدمات.
بغض النظر عن التفاصيل التي أجهلها عن فكرة ونية طرح الشركة، فإنها، أعني “أرامكو السعودية” المملوكة بالكامل للحكومة تعد أكبر شركة في العالم. ولا تقاربها في القيمة شركة أخرى. فعلى سبيل المثال، الاحتياطيات النفطية المعلنة قرابة 260 مليار برميل، وهو رقم أكبر بعشر مرات من احتياطيات إكسون موبيل، أكبر شركة نفط خاصة. وهذا يعني أن الطرح على المستوى العالمي سيزيد من أهمية ودور المملكة في الاقتصاد العالمي.
وتبعا لقيمة “أرامكو” ودورها عالميا، الناتجين من قيمة وأهمية ما تنتجه وتأثيراته وتأثيرات متغيراته على الاقتصاد العالمي، فإن الطرح يكتسب أهمية كبيرة على المستوى العالمي، ومن المهم جدا أن نستغل هذه الأهمية، بما يحقق أعلى مصلحة لاقتصادنا على المدى البعيد.
كيف؟ أرى أن المفتاح هو الاستفادة من تجربة “سابك”
في هذا المقام تذكرت تجربة تأسيس “سابك”، وكلاما للدكتور غازي القصيبي عن تأسيسها قبل نحو 40 عاما، بعد تعيينه وزيرا للصناعة بفترة قصيرة. من المناسب جدا أن نستفيد من تلك التجربة لمساعينا في طرح “أرامكو”.
كانت رؤيته عن ولادة شركة صناعية كبرى على مستوى العالم في مجال البتروكيماويات، شركة تسهم مساهمة فعالة في نقل التقنية ونقل الخبرات والمهارات الإدارية والفنية والتسويقية للبلاد، شركة تسهم بوضوح في تنويع مصادر الدخل.
كانت أفكار وطموحات القصيبي وزملائه الذين عملوا معه موضع تندر كثيرين في الداخل والخارج. دخل القصيبي وزملاؤه في مواجهة عنيفة مع عدة شركات كانت تطمع فى الحصول على عقود لبناء المصانع دون أن تتحمل أي مسؤولية عن أداء هذه المصانع . كانت الفلسفة قائمة على مبدأ “ المشاركة “ ولم تكن هذه الفلسفة تتيح لنا أن نتعامل إلا مع شركاء. تم تأسيس مشاريع “سابك” الكبرى بالاشتراك مع شركات عالمية حيث يملك كل فريق 50 في المائة من المشروع. لم الإصرار على المشاركة؟ يقول القصيبي “نحن نتعامل مع هذه الشركات لأننا بحاجة إلى ثلاثة أشياء تملكها هذه الشركات ونحن لا نملكها: هى تملك التكنولوجيا ونحن لا نملكها، وهى تملك وسائل التدريب ونحن حتى الآن لا نملكها، وهى تملك منافذ التوزيع ونحن لا نملكها”.
بشكل أو بآخر، نريد أن يسهم طرح بعض “أرامكو” للاكتتاب، نريده أن ينتج لنا أكثر من سابك، نريده أن يوفر لنا تقنية وتدريبا وتوزيعا في أنشطة ومجالات إنتاجية نفتقر إليها خاصة في المجال الصناعي. ويحضرني في هذا صناعة المعدات الثقيلة ووسائل النقل والسيارات والصناعات الأساسية غير المعتمدة على النفط والغاز والصناعات المعتمدة على تقنية عالية. وبصفة عامة نريد من فرصة الاكتتاب أن تسهم في زيادة وتمتين القاعدة الصناعية في بلادنا، ليصبح نصيبها في الناتج المحلي لا يقل عن 20 في المائة، بينا هي نحو نصف هذا الرقم حاليا.
نريد من الطرح أن يزيد من دور المملكة الاقتصادي عالميا، نظرا لضخامة “أرامكو” وأهمية أعمالها، نريدها فرصة ذهبية في تنويع مصادر دخل الاقتصاد وتنويع مصادر دخل الدولة وزيادة نفوذنا وعلاقاتنا الاقتصادية مع دول العالم في مجالات أخرى غير النفط وبيعه.
تحقيق الطموحات السابقة يتطلب جهادا وتضحيات وصبرا.
لا بد أن عند الآخرين مرئياتهم وما يرونه نقاط ضعف، ولكن علينا بذل كل جهد للتغلب عليها بما يحقق الطموحات. وقد فعل ذلك القصيبي وزملاؤه قبل 40 عاما.

المزيد من مقالات الرأي