الأسهم .. عشر سنوات على الفقاعة

في شباط (فبراير) 2006 شهدت سوق الأسهم السعودية انفجار فقاعة تاريخيا من حيث حدة النزول وإن لم يرافقه تأثير اقتصادي يذكر. تمر الذكرى والسوق في حال تصحيح لأسباب مختلفة جذريا عن تجربة الفقاعة. سجل مؤشر تداول نزولا بنسبة 2 في المائة في 2014 و17 في المائة في عام 2015 ونحو 14 في المائة (إقفال يوم الخميس الماضي) مع بداية هذا العام (فترة انخفاض أسعار النفط) بينما في 2006 سجلت السوق انخفاضا أكثر من 70 في المائة، بينما أسعار النفط والحراك الاقتصادي كانا في معزل عن الانخفاض الحاد. الفقاعة حالة خاصة لها صفات معينة وإن بدأت لأسباب موضوعية (بسبب بدايات ارتفاع أسعار النفط وصغر حجم السوق). إحدى الخواص اليوم أن حجم التداول حافظ على مســتوى اعتيـــــادي من العنفـــــوان والاستـــمرارية، مستـــــــوى 6 ــ 5 مليارات ريال يوميا ما يدل على الثقة وتوافر السيولة المقبولة والعلاقة المتنامية بين الحراك الاقتصادي وسوق رأس المال على الرغم من دور الأفراد في المتاجرة والمضاربة. كما أن السوق شهدت تغيرا في تنوع قطاعاتها، فلم تعد "سابك" و"الراجحي" تستحوذان على نحو 30 في المائة منها كما في 2006.
لا تزال العلاقة بين الحراك الاقتصادي وسوق رأس المال ممثلا بسوق الأسهم ليست قوية أو تفاعلية ولكنها أفضل بكثير من 2006. العلاقة لا تزال مالية الجوهر (يعبر عنها بالعلاقة المالية بين السوق والمالية العامة من خلال المصروفات العامة) ولكن هناك تحول إيجابي بطيء. الطابع المالي يجعل التأثير العام أكثر تماثلا وشمولية وهذا بدوره يعوق فرص التنوع في سوق المال عامة وخاصة الأسهم. كلما تعمق الاقتصاد من خلال الترابط الرأسي زادت العلاقة بين سوق المال والحراك الاقتصادي. أحد إفرازات التغير الاقتصادي في العلاقة أن الاقتصاديين يتوقعون أن تكون هناك علاقة إيجابية مباشرة بين المصروفات الاستهلاكية وبين انخفاض سوق الأسهم (تأثير التغير في الثروة). في 2006 فوجئت وتأخرت السلطات الرقابية الجديدة والتي لم تأخذ حيزها الكافي في تلك الفترة، بينما اليوم نجد أن الجهات الرقابية أكثر دقة وأكثر مشروعية وأكثر تجربة. التغير الإيجابي جاء في الاقتصاد والتقدم في الرقابة على الرغم من طول الطريق وخاصة في نقص الحوكمة الذي يتعدى دور الجهات الرقابية في جزء مؤثر منه. الحوكمة تعبير عن مستوى الكفاءة المجتمعية وليست منظومة منهجية وإدارية فقط.
تجربة 2006 مثل تجارب أخرى في اليابان والكويت وهولندا وأمريكا في مراحل وحقب تاريخية مختلفة، إذ يبدو أن الفقاعات جزء من عملية النمو والتطور، ولكن نزول اليوم تعبير عن تفاعل موضوعي مع النزول الحاد في أسعار النفط. تختلف التجارب ونادرا ما تكون المقارنات ذات معنى ولكن الأقرب أن هناك تشابها بين الحالتين السعودية والصينية اليوم على الرغم من دور أسعار النفط العكسي على البلدين. كلا البلدين مهم في منطقته ولكن الأهم أن كليهما في مرحلة تحولية اقتصاديا (يجتمع فيها التحدي التنموي والصعوبات الهيكلية)، وكذلك هناك تشابه في ضعف العلاقة بين الحراك الاقتصادي وسوق الأسهم، فالتذبذب إحدى الخواص الملازمة للمرحلة. سجل الاقتصاد الصيني أيضا انخفاضا في النمو وسجلت سوق الأسهم نزولا بنحو 35 في المائة منذ بداية 2014. كما أن كليهما الأكبر في منطقته، فالقيمة السوقية للسوق السعودية تبلغ نحو 390 مليار دولار مقارنة بتركيا عند نحو 200 مليار دولار وإيران عند 98 مليار دولار ومصر عند 65 مليار دولار (أي أن السوق السعودية أكبر منهما مجتمعة).
سوق الأسهم لم تبدأ في 2006 ولم تنته في 2016، ولذلك علينا تفهم سلم التطور التاريخي من ناحية وتلمس الحاجة والمساحات الضرورية لتعميق الاقتصاد وتطوير العلاقة بين أسواق رأس المال والحراك الاقتصادي. القطاع المالي والاستثماري مهم وله دور محوري، ولكن القيمة المضافة والإنتاجية في الاقتصاد أهم بكثير. ما تم إنجازه ليس قليلا قياسا على سلمنا التاريخي أو مقارنة بدول المنطقة ولكن الطموح أن نتعدى دول المنطقة نوعيا وليس حجما فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي