المنافسة والاحتكار في السوق العقارية

أمر إيجابي جدا أن تتقدم التطورات لمصلحة تفكيك الاحتكار المسيطر في السوق العقارية، وأن يتحول مشروع الرسوم على الأراضي من مجرد "تنظيم" إلى "نظام"، وأن تبقى الأجهزة الحكومية وفي مقدمتها وزارة الإسكان أجهزة تنفيذية لمواد النظام، وأن تأتي قبل كل هذا مواد نظام الرسوم على الأراضي أكثر حزما وقوة، من مجرد بعض المواد الإجرائية والتنظيمية الأقرب إلى الهشاشة منها إلى الصرامة، والقدرة على تحقيق الأهداف الرئيسة من إقرار نظام الرسوم على الأراضي، بهدف تفكيك السيطرة الاحتكارية على السوق العقارية.
هل يتذكر الكثير منا سوق الاتصالات قبل عام 2004؟ كيف كانت أسعار الخدمات متضخمة إلى حدود فاقت قدرات الكثير من الأفراد؟ مقابل مستوى متدن جدا من الخدمات. وكيف أصبحت السوق بعد أن تحولت إلى العمل تحت مظلة تنافسية بالكامل؟ فيما قبل ذلك التاريخ؛ كان الحائز جهاز الجوال مصنفا ضمن ذوي الدخل المتوسط المرتفع فأكثر، واليوم تراه محمولا مع الصغير والكبير، والغني والفقير، بل قد تجد البعض وهم كثر؛ تراه يحمل معه جهازين!
على النقيض من ذلك؛ حينما تنظر إلى السوق العقارية المحلية، وتراقب كيف تضخمت أسعار الأراضي والعقارات والإيجارات، فلا شك أن الدهشة ستعلو محياك، وهي كذلك أو أشد قسوة في الوقت الراهن! ولتتأكد أنها صدمة بكل ما تعني هذه الكلمة بالنسبة إليك، حينما تقارن بين سوقين، الأولى بسطت المنافسة على أغلب مرابعها إن لم يكن جميعها (سوق الاتصالات)، والثانية لا يزال الاحتكار يسيطر على كل متر مربع منها (السوق العقارية)، فإنك ستكتشف أن الفارق بين انخفاض تكلفة الاتصالات من جهة، ومن جهة أخرى ارتفاع تكلفة الإيجارات السنوية للمساكن خلال الفترة 2004-2015، أنه وصل إلى 156.0 في المائة! وإليك التفاصيل.
وفقا لبيانات مصلحة الإحصاءات العامة؛ سجل الرقم القياسي للاتصالات انخفاضا وصل إلى 24.0 في المائة خلال الفترة 2004-2015، في المقابل ارتفع الرقم القياسي للإيجارات للفترة نفسها بنحو 132.0 في المائة! هل نتج عن هذه التطورات اللافتة في سوق الاتصالات انهيار أرباح الشركات العاملة فيها؟ أو نتج عنها فقدان العاملين فيها لفرص العمل؟ إنما على العكس من كل ذلك تماما، فقد نمت السوق وازدهرت فرص الاستثمار والتوظيف فيها، وتوافرت فرص أكبر في الاستثمار في العديد من القطاعات المساندة والمتكاملة مع سوق الاتصالات، بغض النظر عن بعض التجارب الفاشلة لبعض الشركات العاملة فيه، التي ارتكبت أخطاء فادحة ومخالفات مالية، تم تحميل مسؤوليتها على المتورطين فيها، ولا تعد في هذا المقام مقياسا على الإطلاق.
في المقابل؛ ماذا نتج عن استمرار الاحتكار واتساع سيطرته في السوق العقارية المحلية؟ ها نحن جميعا نشاهد نتائجه المريرة، أغلب السكان لا يزال يبحث عن تملك مسكنه، ووصل إلى طريق مسدود تماما في مواجهة الأسعار المتضخمة جدا، سواء للأراضي أو للوحدات السكنية، وفي الوقت ذاته تجدهم يعانون مرارة وإرهاق ارتفاع تكلفة الإيجارات دون سبب مشروع، ولم يقف الأمر عند هذا الحد! بل تخطاه إلى أبعد من ذلك، لترتفع على الأفراد تكلفة المعيشة بصورة بالغة الضراوة، نتيجة ارتفاع فاتورة إيجارات المحال والأسواق التي يتبضع منها لأجل تلبية احتياجاتهم المعيشية من السلع والخدمات، وعليك أن تتذكر هنا؛ كيف أن سوق الاتصالات على الرغم من كل ذلك، كانت السوق الوحيدة تقريبا، التي امتصت صدمة ارتفاع تكلفة العقارات وإيجاراتها، ولم نشهد ارتفاعا تابعا في أسعار خدماتها، كما شهدنا في مختلف الأسواق والقطاعات، من مواد استهلاكية وسلع معمرة وخدمات متنوعة، بل كان من الممكن أن نرى مزيدا من انخفاض تكلفة خدمات الاتصالات (انخفاض 24.0 في المائة) خلال الفترة المشار إليها أعلاه، لولا تضخم أسعار الأراضي والعقارات وإيجاراتها. وأضف إلى ما تقدم ذكره؛ ماذا جنى المطورون العقاريون؟ غير أن جزءا كبيرا منهم غص بمئات الآلاف من منتجاته السكنية، ولم يجد لها مشتريا! وجزءا آخر منهم غادر السوق، بعد أن اصطدم بالكثير من العقبات وإحجام أو عدم قدرة الأفراد على شراء منتج سكني واحد منه، وها نحن نقف جميعا أمام مخزون هائل من الوحدات السكنية، فاق عدده حسب آخر البيانات سقف المليون وحدة سكنية الخالية على عروشها، ووصلنا جميعا إلى طريق مسدود تماما، فلا البائع باع بضاعته ولا المشتري استطاع الشراء، وبينهما يقف ملاك الأراضي بالمرصاد للطرفين، يبقى هو الوحيد الكاسب من هذا الشلل العقاري والاقتصادي، على الرغم من أن أولئك الملاك لو أرادوا بيع ما يملكون من أراض شاسعة المساحات خلال الوقت نفسه، لما وجدوا من يشتري منهم حتى بعشر الأسعار السوقية المتضخمة، التي وصلت إليها أراضيهم.
إننا ونحن نقف جميعا على مرحلة زمنية جديدة مقبلة، ستشهد معها السوق العقارية كبحا جامحا لأسعارها المتضخمة، وتفكيكا جادا لقبضة يد الاحتكار المسيطرة عليها، استجابة للأنظمة الجديدة والتطورات والإجراءات الراهنة، وفي مقدمتها بدء العمل بنظام الرسوم على الأراضي، يقابله ارتفاع مهم ومطلوب من لدن أفراد المجتمع، وضرورة أن يترجموا كل تلك التطورات في مصلحتهم، وألا يتورطوا أبدا في شراء أية أراض أو عقارات متضخمة الأسعار، مهما بلغت وسائل الإغراء والتسويق من قبل السماسرة العقاريين.
إنها مرحلة زمنية جديدة تماما، لا بد أن تترجم بمشيئة الله كفائدة وعائد عليهم، والتحلي بالقوة والصبر وسعة الأفق عند التفاوض مع البائعين من الأطراف العقارية، فالوقت والظروف والتطورات جميعها تصب في مصلحتهم، على العكس تماما من الطرف المقابل (العقاريين)، وللحديث بقية قادمة بالكثير من التفاصيل بمشيئة الله. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي