فيصل .. الصامتون والحكواتية

أؤمن بأن جماهير أي ناد يتشابهون في بعض التفاصيل، ما يسمح بتشكيل سلوك عام فيما بينهم يمكن أن يتحول إلى ما يشبه الثقافة الخاصة التي تنمو سلبا وإيجابا في البيئة الحاضنة. تتأثر هذه الثقافة بعوامل كثيرة، منها النشأة أو التأسيس، التعليم، الأحداث والتحديات، القيادات التاريخية ونوعيتها، الشعور بالظلم أحيانا أو التفوق المطلق، وقديما قالوا: “القوم على ملة أسيادهم”، والأسياد في ذلك الزمان هم القيادات، والقيادات في الأندية أُس الثقافات.
في القطبين العاصميين، الهلال والنصر، مثال واضح، الأول إذا حلت به النوائب والخسائر، التف حوله الأزرقيون من كل جهة كل يمد يده ليستند إليه الكيان وينهض، فيجد الأزرق بدل اليد عشرات الأيدي تمتد تنتشله وتطبب جراحه، وتقيمه من عثرته، حتى والهلال يتعرض لانشقاق غير مسبوق لم يحدث طوال تاريخه في فترة الجابر التدريبية، إلا أنه سرعان ما رأب رجاله الصدع، ورموا الماضي خلفهم ومضوا إلى غايتهم السامية: الهلال أولا، وكل الرقاب تتساوى تحت مظلته.
تلك ثقافة توارثها الهلاليون كابرا عن كابر، هي الأساس وما سواها شاذ سرعان ما يلقى به إلى مزبلة التاريخ، ومن أراد خرقها سيُغيب عن المشهد الأزرق حتى لو كان سامي الجابر نفسه ابن الأزرق وأيقونته الجماهيرية.
النصراويون أبناء عمومة الهلال، يتفقون معهم في نقاط، ويختلفون في الأساس، يجمعهم الفوز وتفرقهم الهزيمة، ولذلك جذور تاريخية ضاربة في القِدم، لا يمكن لمقال قصير كهذا أن يُلم بها تفصيلا.
عندما تولى فيصل بن تركي رئاسة النصر، التف حوله الأصفريون، ومع تزايد الخسائر انفضوا، منهم من لزم الصمت وهذا أكثر خير جاء فيصل منهم آنذاك، ومنهم من مارس هوايته في سكب البنزين على النار، وعندما ظفر نصر فيصل بكأس ولي العهد وقدم نفسه منافسا على لقب الدوري في موسم 2014، عاد الصامتون للعمل وسكت الحكواتية عن الكلام، فنهض الأصفر من كبوته وأعاد ترتيب المنافسة كما يريد، واستولى موسمين كاملين على المشهد، بمساعدة الغاضبين الفرحين.
.. ولأن دوام الحال من المحال، حدثت عثرات عابرة مجددا، فهب الحكواتية لممارسة هواياتهم وابتعد الصامتون غضبا أحيانا وتصديقا لما يروج عن المجموعة الأخرى أحيانا ثانية. إنها ثقافة نصراوية متأصلة، يجمعهم الفوز وتفرقهم الهزيمة في مشهد مقلوب يضر ولا ينفع.
لا يمكن لعاقل أن يخشى على النصر من العودة لغيبوبته السابقة، فالأساس لكل فريق موجود في النصر وهم اللاعبون، إذ يتوافر الفريق على مجموعة ممتازة يمكنها أن تعود لركب المنافسة متى ما أُعيد تنظيم الصفوف، وتولى القيادة الفنية مدرب ذكي يعرف مشاكل الفريق ويعالجها، ورافقته قدرات إدارية داعمة تسد الثغرات خلفه وتوفر له أجواء صحية للعمل ولن يحدث ذلك ما لم يجتمع النصريون حول نصرهم، أما فيصل بن تركي فالتحدي الأكبر أمامه ليس اختيار مدرب جيد، ولا المشاكل المادية، بل القدرة على لم الأصفريين مجددا، فما الطريق لذلك؟.
الإجابة تتفرع فرعين، إما أن يصم أُذنيه عن كل ما حوله ويتسلح بالثقة ويمضي في خطوات تصحيح الأخطاء حتى يعيد الغاضبين بالثقافة النصراوية ذاتها “الفوز”، أو أن يتخذ سياسة جديدة تحاول جز الثقافة النصراوية القديمة من جذورها وتأسيس ثقافة جديدة عنوانها: “مع النصر في الهزيمة قبل الفوز”، ورغم صعوبة الثانية إلا أنها أفضل للديمومة والاستمرارية وتحتاج زمنا طويلا لترسيخها.
أما فيصل بن تركي، هل أخطأ؟ نعم، وقع في بعض الأخطاء منذ وداع الموسم الماضي، كلفته بداية الموسم الجاري، وقبل أن يلتفت للنصراويين ويناقشهم عنها عليه أن يبدأ بنفسه ويعدل ما أخطأ فيه، قبل أن يحرك قدميه للمراحل الأخرى.
فيصل بن تركي، رجل يحب النصر كبقية النصراويين، تطور كثيرا عن بداياته، قيل فيه مدحا وذما ما ليس فيه، ميزته الأهم في مسيرته، قدرته على المضي في التحدي، ورغبته الجامحة في الفوز دائما، وهذان شيئان جميلان لا يكفيان وحدهما، كما أن فيصل وحده لن يستطيع الصمود، فإما أن يدفعه الصامتون إلى الأمام أو يقولون له ترجل بكل وضوح، في الوقت المناسب، ولا أظن الوقت قد حان الآن، أما الحكواتية فسيستمرون في صياغة حكاياتهم مهما فعل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي