حرب البيت الأبيض الخضراء ضد الصين بدأت لتوها

التخلص من الاعتماد على بكين رغبة مشتركة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي

في واحدة من المناورات الاحتيالية التي يبدو أن الكون يحترفها، تذوق العالم ميزات إزالة الكربون بالقدر نفسه الذي فقد فيه الشغف تجاه العولمة. تعد مجموعة التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي جو بايدن على عدة منتجات من صادرات التكنولوجيا النظيفة الصينية، أحدث رصاصة أُطلقت في حرب تجارية خضراء متصاعدة. لا شك أن هذه الخطوة تحمل بعض الجوانب الاستعراضية، خاصة أننا يفصلنا أقل من ستة أشهر على الانتخابات الأمريكية، لكن لا تظنوا أنها غير مهمة.
ستفرض أبرز زيادات التعريفات الجمركية على السلع التي لن تهتم بها الأغلبية العظمى من المستهلكين الأمريكيين والمصنعين الصينيين. ويبدو أن رفع الرسوم على السيارات الكهربائية الصينية من 27.5 % إلى 102.5% كارثيا حتى تتذكروا أن صادرات الصين من السيارات الكهربائية، من حيث القيمة، إلى روسيا تفوق الولايات المتحدة، التي استوردت 1 % فقط في العام الماضي، وهذا يعادل تقريبا 12 ألفا من إجمالي المبيعات البالغة 1.4 مليون سيارة كهربائية. وبالمثل، رفع التعريفات الجمركية على خلايا الطاقة الشمسية الصينية، التي استوردت الولايات المتحدة 0.2 % منها العام الماضي، يشبه إلى حد ما تهديدي بتقليص مشترياتي من سيارات "فيراري".
انتهت الحال بالتشريعات الفيدرالية المتعلقة بالمناخ إلى اتخاذ شكل سياسة صناعية خضراء، تم الترويج لها بين فئات مختلفة على أنها وسيلة لمواجهة التغير المناخي، أو إنعاش فرص العمل في قطاع التصنيع الأمريكي أو التنافس مع الصين.

تفوق الصين وضع مؤقت

يدرك بايدن جيدا أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسيطرة على سلسلة توريد التكنولوجيا النظيفة، وأن الانخفاض الناتج في تكاليف التصنيع هو السبب الرئيس في تقدم عملية تحول الطاقة حتى الآن.
لكنه يدرك أيضا أن الناخبين يطالبون بتوفير وظائف أكثر مقابل انبعاثات أقل، وأن الاعتماد على الإمدادات الصينية من التكنولوجيات والمعادن الحيوية على المدى الطويل يعد أمرا إستراتيجيا غير موفق.
ولحين تشييد الولايات المتحدة سلسلة توريد خاصة بها، يتعين عليها بطريقة أو بأخرى موازنة الوصول إلى الموردين الصينيين، مع ظهور إشارات واضحة توضح أن هذا مجرد وضع مؤقت. لاحظوا كيفية تطبيق بعض التدابير، كتلك المطبقة على واردات الغرافيت الطبيعي، تدريجيا بمرور الوقت.
بالتالي، فإن الإشارة إلى هذه التعريفات، المفروضة على السيارات الكهربائية والخلايا الشمسية، تعمل بشكل أساسي على إبراز القيود الحالية على الواردات الصينية، التي تشمل تعريفات جمركية، وتدابير مكافحة الإغراق، ومتطلبات المحتوى المحلي المدمجة في الإعانات المرتبطة بقانون "الحد من التضخم".

رسالة وراء التدابير الاحترازية

لا تنسوا الانتباه إلى الرسالة وراء التدابير المتخذة هذه، خاصة أن رغبة أمريكا في التخلص من الاعتماد على الصين هي رغبة راسخة، وتحظى بتأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي. التعريفات الجمركية التي فرضها بايدن على تكنولوجيات محددة، بصرف النظر عن إدارة ردود الفعل السلبية على القطاعات المفضلة، استهدفت تمييزه عن خصمه المحتمل في انتخابات نوفمبر، الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يهدد باتخاذ تدابير شاملة.
تهيمن مشاعر الذهول على الاقتصاديين ونشطاء البيئة على حد سواء، إذ أن أسعار سلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة ستكون تضخمية، بغض النظر عن نصوص قانون "الحد من التضخم".
ستكون التعريفات الجديدة على بطاريات السيارات الكهربائية وأجزائها، على وجه الخصوص، أكثر جدوى، خاصة أن الولايات المتحدة استحوذت على نحو خمس صادرات البطاريات الصينية، من حيث القيمة، في العام الماضي، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي. كما ستواجه شركات صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية، مثل "تسلا" عائقا إضافيا في ما يتعلق بتكلفة الجزء الأغلى من السيارة، حتى مع تصاعد تدابير المحتوى المحلي وفقا لقانون "الحد من التضخم". يأتي هذا وسط ضرورة إعادة تحفيز الطلب المتباطئ على سياراتهم باهظة الثمن في الولايات المتحدة.

صناعة محلية غير تنافسية

في الوقت نفسه، فإن التقدم البطيء الذي تحققه ديترويت للتحول نحو السيارات الكهربائية، إضافة إلى ذكريات الفرص الضائعة الماضية مع واردات السيارات اليابانية قبل عقود، يزيد من مخاطر ظهور قليل من السيارات الكهربائية محلية الصنع وغير القادرة على المنافسة.
على عكس الصين، فإن التحول الإستراتيجي الأمريكي نحو التكنولوجيا النظيفة غير متسق وحزبي، ويواجه منافسة من صناعة السيارات الثقيلة والشاحنات القديمة التي تعتمد بشكل كبير على أكبر قطاع لإنتاج النفط في العالم.
مع ذلك، سيخاطر بايدن بأية حال، خاصة أن السياسة التجارية الأمريكية إستراتيجية بطبيعتها. وتذكروا أن قانون "الحد من التضخم" يسعى فعليا إلى استنساخ السياسة الصناعية الصينية، مع استكمالها بالحمائية، التي عززت ريادة بكين في مجال التكنولوجيا النظيفة في المقام الأول. لم يكن الدافع وراء نظام التجارة الحرة المتداعي الآن، والذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الإيثار فقط، بل أيضا إعادة حشد حلفاء لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفييتي. وحتى في ذروة القلق بشأن التهديد الذي تشكله المنافسة اليابانية بالنسبة إلى ديترويت، إضافة إلى قطاعات أخرى، في ثمانينيات القرن الماضي، ظلت اليابان حليفا محوريا في الحرب الباردة، على عكس الصين، التي أصبحت الآن تهديدا معلوما للبنتاغون.

نظام تجاري جديد

قبل شهر فقط، دعا مبعوث البيت الأبيض للمناخ جون بوديستا بشكل أساسي إلى إنشاء نظام تجاري جديد يستهدف الصين على جبهة أخرى، خاصة "إزالة الكربون" من خلال الانبعاثات المدمجة في الصادرات. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الإدارة يمكنها إقناع الدول المماثلة ذات الكثافة الكربونية المنخفضة عموما، للانضمام إلى مثل هذا الجهد. ويعد الاتحاد الأوروبي المنطقة الرئيسة بهذا الصدد خاصة في ظل ارتباطه بمنظمة التجارة العالمية وأهدافه الخضراء الطموحة.
على أية حال، فإن اتجاه واشنطن لا يمكن إنكاره. فبينما تتصدر التعريفات العناوين الرئيسة للصحف، ربما تظهر تدابير أكثر تأثيرا خلف الكواليس، مثل التحقيق الذي أجرته وزارة التجارة في "السيارات المتصلة" والذي بدأ في فبراير. ونظرا للتداخل المتزايد بين أنظمة المساعدة في القيادة الغنية بالبيانات وكافة السيارات، بما فيها السيارات الكهربائية، قد يوفر هذا الأمر مبررات أمنية قومية واسعة النطاق لاستهداف نماذج مرتبطة بالشركات الصينية، بغض النظر عن موقع المصنع.
وصل الصراع بين خفض الانبعاثات وتقليص الاعتماد على سلاسل التوريد، المحتدم دائما، الآن إلى نقطة أصبحت فيها المقايضات حتمية. تلعب الانتخابات المقبلة دورا كبيرا في تحديد الأولويات خلال 2024، لكن هذا يمثل رياحا معاكسة مزمنة لتحول الطاقة في الولايات المتحدة لأعوام مقبلة. حتى لو لم تأخذ إجراءات بايدن على محمل الجد حرفيا، فهذه هي الحالة التي ينبغي أن تفعل فيها ذلك.

خاص بـ" بلومبرغ "

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي