نظام مكافحة التدخين .. وتعزيز البنية النظامية

يعد نظام مكافحة التدخين الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/56) وتاريخ 28/7/1436هـ، خطوة مهمة في التنمية الصحية بصفة عامة ومكافحة التدخين والوقاية منه بصفة خاصة، ونقلة نظامية مؤسسية لتفعيل توجيهات القيادة الرشيدة وتلبية لرغبة المجتمع والمواطنين، خصوصا أولياء الأمور في الحد من انتشار ظاهرة التدخين واستعمال التبغ بين أبناء المجتمع، وحماية الأجيال القادمة من مخاطر هذا الوباء، والحد من تأثيره في غير المدخنين، وينسجم مع بنود الاتفاقية الإطارية الدولية لمكافحة التبغ التي تهدف إلى حماية البشرية من انتشار وباء التدخين، وإرشاد الدول إلى كيفية التصدي لهذا الوباء، التي انضمت إليها المملكة عام 2005.
وقد جاء النظام مشتملا على منظومة من الأحكام النظامية في 20 مادة تهدف إلى مكافحة التدخين، من خلال اتخاذ جميع الإجراءات والخطوات اللازمة على مستوى الدولة والمجتمع والأفراد؛ سعيا إلى الحد من عادة التدخين بجميع أنواعه عند الأفراد وفي مراحل العمر المختلفة، فقضى بمنع التدخين في الأماكن والمساحات المحيطة بالمساجد، والوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة وفروعها، والمؤسسات التعليمية والصحية والرياضية والثقافية، سواء كانت حكومية أم خاصة، والأماكن المخصصة للعمل في الشركات والمؤسسات والهيئات والمصانع والمصارف وما في حكمها، ووسائل النقل العامة برية أو جوية، وأماكن تصنيع الطعام والمواد الغذائية والمشروبات وتجهيزها وتعبئتها، وموقع إنتاج البترول ونقله وتوزيعه وتكريره ومحطات توزيع الوقود والغاز وبيعهما، والمستودعات والمصاعد ودورات المياه، وغيرها من الأماكن العامة.
كما قرر النظام، بهدف الحد من بيع التبغ ومشتقاته، مجموعة من الأحكام والإجراءات، منها منع بيعه لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما، ومنع بيعه بآلات البيع الذاتي وداخل وسائل النقل العامة، وأوجب وضع ملصق يحوي تحذيرا صحيا بمضار التدخين، وقرر منع استيراد وبيع ألعاب الأطفال والحلوى المصنعة على هيئة سجائر أو أي أداة من وسائل التدخين، كما قضى بمنع الإعلان والترويج للتبغ ومشتقاته بأي وسيلة من وسائل الإعلان أو الإعلام السعودية، وحذف المشاهد من الأفلام والمسلسلات والبرامج والمطبوعات التي تعرض في السعودية. وألزم النظام جميع الجهات الحكومية المسؤولة عن الشؤون الإسلامية، والتعليم، والإعلام، والرياضة، والصحة، والشؤون الاجتماعية بعمل برامج توعية لمكافحة التدخين بشكل مستمر وبطريقة فعالة ومبتكرة، وحث القطاع الأهلي على المشاركة في هذه البرامج.
وقضى النظام أن تتولى الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة وفروعها والجهات العامة الأخرى في الدولة والمؤسسات التعليمية والصحية والرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية ومؤسسات ومنشآت القطاع الخاص وفروعها مسؤولية ضبط وتحرير المخالفات وإيقاع الغرامات. وقرر النظام حزمة متنوعة من الغرامات من بينها معاقبة من يتعاطى التدخين في الأماكن الممنوعة بغرامة مالية مقدارها 200 ريال، وكذلك معاقبة كل من يرتكب أي مخالفة لأي حكم من أحكامه فيما لم يرد نص صريح بالعقوبة بغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف ريال، ومضاعفة العقوبة في حالة العود.
وقضى النظام أن تخصص جميع الغرامات المحصلة بموجب أحكام هذا النظام لدعم جهود التوعية وتشجيع الجمعيات الأهلية على مكافحة التدخين ونشرها على مستوى المملكة وأن ينشأ حساب مصرفي لهذا الغرض يصرف منه بحسب التعليمات التي يصدرها وزير الصحة. ولا شك أن هذا الحكم النظامي المهم يبين بجلاء أن المبالغ الناتجة من فرض الغرامات سيتم صرفها في سبيل مكافحة التدخين والوقاية منه، ومن المتوقع أن يكون لذلك أثر كبير في زيادة نشر الوعي عن أضرار التدخين والوقاية منه بشكل مستمر ومتزايد، وكذلك دعم الجمعيات الحالية التي تعمل على مكافحة التدخين كجمعية نقاء وزيادة عددها لتشمل جميع مناطق المملكة ومحافظاتها.
وخول النظام وزير الصحة أن يصدر اللائحة التنفيذية لهذا النظام بالتنسيق مع الجهات المعنية، خلال ستة أشهر من تاريخ نشره، ونأمل من وزير الصحة أن يقدر عامل الوقت وترى اللائحة التنفيذية النور خلال هذه الفترة المقررة دون تأخير. وقضى النظام أن يعمل بهذا النظام بعد سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ونأمل من صحيفة "أم القرى" أن تعجل بنشر هذا النظام كي يبدأ تطبيقه بعد سنة من نشره.
بقي أن نقول: إن هذه المنظومة الشاملة من الأحكام التي اشتمل عليها هذا النظام، تؤكد توجه الدولة الواضح وسياستها في سن الأنظمة لسد الفراغات النظامية وإكمال البنية النظامية التي تسهم في تحقيق التنمية الوطنية المستدامة بصفة عامة وتعزيز التنمية الصحية بصفة خاصة من خلال مكافحة التدخين والوقاية منه. ونسأل الله رب العزة والجلال أن يديم توفيق قيادتنا وسؤددها، ونقول بكل مشاعرنا: شكرا جزيلا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على إقرار هذا النظام المهم بعد طول انتظار، الذي هو هدية أولا وأخيرا للمواطن السعودي كما أحسن وصفه الدكتور توفيق بن أحمد خوجة مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي