من يقود النمو العالمي في الأعوام المقبلة ؟

منذ بداية القرن الحالي ظل العالم يعتمد على الصين بصورة رئيسة في قيادة نموه الاقتصادي، فقد تحولت الصين خلال آخر عقدين إلى المركز الرئيس للإنتاج والتصنيع والتصدير في العالم، حيث عمدت كبرى الشركات العالمية إلى نقل مصانعها إلى الصين للاستفادة من الأيدي العاملة المتوافرة والرخيصة والسوق الاستهلاكية الأكبر في العالم، ذلك التحول دفع الاقتصاد الصيني خلال أول عقدين من القرن الحالي للنمو بمستويات مرتفعة وبفارق كبير بينها وبين الاقتصادات الكبرى الأخرى في العالم، وقد وصل النمو إلى ذروته في 2007 بتسجيله 14.2 %، بينما وصل إلى أقل معدل له في 2019 قبل انتشار جائحة كورونا بتسجيله 6 %، وخلال تلك الفترة سيطر التنين الصيني على الجزء الأكبر من سلاسل الإمداد العالمية وتحول لأكبر مصدر للسلع في العالم، وأهم سوق مع وجود أكثر من 1.3 مليار مستهلك، حجم الطفرة السريعة وضعت الصين كمحور رئيس يقود الاقتصاد العالمي سواء على مستوى الإنتاج والتصدير أو الاستهلاك.

ولكن ومع تفشى جائحة كورونا وقيام السلطات الصينية بعملية إغلاق شاملة للبلاد، وما تبعها من أزمات ألقت بظلالها على الأداء الاقتصادي وعلى رأسها أزمة العقارات وتراجع الإنفاق المحلي بسبب فقدان المستهلكين للثقة بجانب ارتفاع التوترات مع الولايات المتحدة، واتجاه الأخيرة للتضييق على الصين سواء بإجراءات تجارية متعلقة بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية أو خنق قطاع التكنولوجيا الصيني خاصة في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى عوامل داخلية أخرى أهمها تباطؤ معدلات المواليد وارتفاع نسبة الشيخوخة وتأثر أعداد القوة العاملة، أثارت تلك العوامل الشك في نفوس الفاعلين في الاقتصاد العالمي وعلى رأسها كبرى الشركات العاملة في قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على الاستمرار في قيادة دفة النمو العالمي ودفعهم للبحث عن وجهات جديدة تكون منافسة للصين في المستقبل القريب.

وبجوار الصين هيأ عديد من جيرانها أنفسهم للعب دورها، بداية من الهند التي تفوقت على الصين بنهاية العام الماضي في عدد السكان والمتعطشة بشدة لتبوء دور مهم في سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، معتمدة بشكل أساس على عدة عوامل أهمها توافر الأيدي العاملة الرخيصة، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي قادتها السلطة الحالية بقيادة ناريندرا مودي والمتمتعة بعلاقات قوية مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، الهند أيضا استطاعت في خلال آخر عامين التفوق على الصين كأهم الدول نموا بين الاقتصادات الكبرى وفي مجموعة العشرين، ففي 2023 سجلت الهند نموا بنحو 7.8 %، كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل نمو الهند في 2025 إلى 6.5 % لتكون أعلى معدل بين مجموعة العشرين ومتفوقة على الصين التي سيبلغ نموها 4.1 %، النمو سيكون مدعوما بالإنفاق الحكومي المتزايد على مشاريع البنية التحتية بجانب تدفقات الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى الهند هناك عدة دول آسيوية أخرى مرشحة لأخذ جزء من الكعكة وعلى رأسها فيتنام وإندونيسيا، حيث أثبتت تلك الدول جاذبيتها للاستثمار الأجنبي، وأصبحت مركزا لعمليات التصنيع لكبرى الشركات العالمية.

وبينما ينتظر العالم أهم أحداث 2024 مع انعقاد الانتخابات في الولايات المتحدة التي يتنافس فيها كل من بايدن وترمب، ينتظر الاقتصاد العالمي تحولات كبيرة قد يحدث في حالة فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب، حيث تركز خطته الاقتصادية على إعادة الولايات المتحدة إلى مكانتها كمركز للتصنيع والإنتاج العالمي وذلك بعد أن تخلت عن تلك المهمة لمصلحة الغير في العقود الأخيرة، خطة ترمب تعتمد على تقديم الحوافز لتشجيع الشركات الأمريكية على التوسع في الإنتاج في الداخل مع توفير الحماية لها من المنافسة وذلك عبر فرض ضرائب على الواردات القادمة من الخارج، خاصة من الصين، ومع توافر قوة العمل في الولايات المتحدة المدعومة بالعمال المهاجرين فمن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة عاملا مهما لقيادة النمو في العالم.

بجانب القوة الكبرى هناك قوة أخرى صاعدة بقوة قد تسهم في إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، وهي منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد والمتمتعة بقوة بشرية يشكل الشباب في سن العمل النسبة الأكبر منها، إضافة إلى الموقع الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب، بجانب الإنفاق المتزايد من الحكومات لتطوير البنية التحتية، كما تبنت قيادات المنطقة في الأعوام الأخيرة عديدا من الإجراءات والإصلاحات بهدف جذب الاستثمار الأجنبي والتوسع في الإنتاج والتصنيع والتصدير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي