Author

«القديح» .. بصمة صفوية

|
منذ جاءت حكومة الملالي في طهران بزعامة الخميني وطاحونة الدم والرعب لم تكف عن الدوران .. ففي مستهل أيام ما أصبح يعرف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية غدر الخميني بكل الرجال والنساء الشرفاء ممن كانوا ينشدون الخير والعدل والحرية والسلام فطحنهم واحدا واحدا شنقا أو اغتيالا أو تعزيرا .. وكانوا جمهورا من الكفاءات العلمية والثقافية والتكنوقراطية والسياسية، فأفزع نهر الدم هذا الطبقة الوسطى في إيران والنخبة المتعلمة ففروا بحريتهم إلى المهجر شرقا وغربا. وكي تبقي حكومة الملالي على شعبها محبوس الأنفاس، راحت تحت هوس تصدير الثورة تجند الأفراد من فتيانها وتسخرهم للانقياد لأسطورة ولاية الفقيه والسعي إلى عقد تواطؤات واتفاقات سرية مع بعض الشيعة والمكونات الأقلية الأخرى في لبنان والعراق وسورية والبحرين واليمن فذاقت منها هذه البلدان ولا تزال من الويلات ما لا يحتاج إلى أي إيضاح. لكن لماذا تفعل حكومة الملالي الصفوية ذلك؟ هل لأنها موكلة بلعب هذا الدور من قبل أقطاب المؤامرة الغامضين؟ أم لأن حكومة ولاية الفقيه لا تنهض أركانها ولا تقوم لها قائمة إلا على الإمعان في إدارة طاحونة الدم والرعب؟ من المؤكد – على الأقل بالنسبة لي – أن حكاية "المؤامرة" خرافة يحتال بها اللاشعور على الشعور كي يوصد باب الأسئلة في الأذهان ويعفيها من التحليل .. وبالتالي فحين يهرع أصحاب نظرية المؤامرة إلى الاستشهاد بالأسماء والأحداث حين تحرجهم الأسئلة لدعم فكرة التآمر فهم ينسون أنهم بهذا الجهد المبذول في إثبات المؤامرة إنما ينسفونها من الأساس طالما اضطروا للنزول إلى أرض الواقع ومسار الأحداث للتبرير .. حيث يتبين أن لا مرجعية سوى المصالح والتوافق مع الاستراتيجيات. إذا .. يبقى أن حكومة ولاية الفقيه تتصرف على هذا النحو لأنها مسكونة بخراب التاريخ وتدميره للنهوض على أنقاضه .. أو .. هكذا يتخيل الصفويون سواء بعمامة الخميني أو بعمامة علي خامنئي.. لكن لماذا نقول هذا؟ نقوله .. لأن ولاية الفقيه الصفوية الفارسية تحمل تناقضا عموديا وأفقيا .. فعموديا تزعم أنها امتداد للإمامة حتى مجيء الإمام الغائب ليس في سرداب سامراء وإنما الأصح في سرداب العقل الصفوي الذي يصر على أن هذه المجازر الوحشية وتفجير المساجد والمراقد ودور العبادة وصروح العلم والعمل إنما تنتمي إلى نهج آل البيت عليهم صلوات الله وتسليمه وهذا بهتان عظيم.. أما أفقيا فالتناقض شاذ صارخ يتمثل في التزمت للغلو القومي الفارسي، (بكل ما فيه من طقوس ورموز مجوسية تنظر باستعلاء عرقي وازدراء ثقافي إلى القوميات الأخرى في إيران) وإقحام الهوس بنسخة ولاية الفقيه الصفوية عليه لشرعنة حذف الأوطان من قاموسها للتدخل في شؤونها السيادية من ناحية، واحتكار الحقيقة الروحية بصفويتها فحسب من ناحية أخرى .. ليبقى الآخرون ـــ سواء حسن نصر الله .. أو الحوثي أو المالكي وبشار وأمثالهم ـــ مجرد أتباع وخدم لمعبد الولي الفقيه في طهران ليس إلا! لقد رأينا كيف أن حكومة الملالي المسكونة بتناقضاتها تلك، لم تتورع منذ اللحظة التي وصل فيها الخميني إلى إيران.. عن المبادرة بوقاحة إلى إرسال عملائها محملين بمواد متفجرة بزعم أنهم قادمون لأداء مناسك الحج.. وتكررت المحاولة لولا يقظة رجال الأمن السعودي في الحيلولة دون وقوع الكارثة .. فأي علاقة لإسلام ولاية الفقيه هذا بالحج أو بالإسلام أصلا؟! الجريمة الشنعاء التي حدثت في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح وسقط فيها 22 شهيدا ونحو 101 جريح واستمطرت لعنات العالم على مدبريها.. لا يمكن عزلها عن سياق طاحونة الدم والرعب الإيرانية تلك.. حتى لو أعلن "داعش" مسؤوليته! ومع التقدير العالي للسرعة التي أعلنت فيها وزارة الداخلية السعودية معلومات عن الضالعين في هذه الجريمة واسم منفذها (صالح عبد الرحمن القشعمي) .. فإنه ليس بالإمكان أن نتجاهل البصمة الإيرانية التي عرفت بها وباتت ماركة مسجلة لها في صناعة الموت ومسلسل إشعال الفتنة وإثارة النزاعات الطائفية سواء في لبنان وسورية والعراق أو البحرين واليمن وحتى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. فإرهاب "داعش" تكفيري همجي أعمى وإرهاب «القاعدة» لم يكن مسكونا بالطائفية بقدر ما كان إرهابها موجها ضد الأنظمة والأجانب وجاهلية المجتمع كما تزعم، ولم يبرز هذا الإرهاب "النوعي الخبيث!" المستهدف تعميق الطائفية بين السنة والشيعة بل إيجادها إلا مع النفوذ الإيراني في العراق بعد غزو أمريكا له واحتلاله. ومن المؤكد ـــ والحال هذه ـــ أن متطرفا شيعيا لن يحدث الأثر نفسه الذي سيحدثه متطرف سني في تفجير مسجد في بلدة شيعية وعلى النحو الذي يتمناه ملالي طهران من فتنة وشق للصف الوطني السعودي .. غير أن ردود الفعل من جميع مناطق الوطن لم تكن مشحونة بالشجب والاستنكار المبني للمجهول، وإنما كانت الأيادي تشير بأصابع الاتهام إلى عمامة ذاك الولي الفقيه في طهران الذي خبروه يوزع الموت والدسائس ثملا بالمناحات في بيوت العرب مستغلا التطرف الداعشي اليوم بطرقه الملوثة مثلما استغل ولا يزال تطرف "القاعدة" التي وجد إرهابيوها عنده ملاذا ومصدرا للإجرام .. لكن هذا الوطن .. رغما عن كل المكائد سيبقى عزيزا منيعا بمواطنيه الذين يحصنونه بنبض القلب.
إنشرها