حين لا يضطر الإرهابي إلى السفر

للمرة الثانية، وبفارق أشهر، تطول يد الإرهاب المواطنين الآمنين. وككل مرة تنطلق الأصوات المنادية بسلامة ووحدة الوطن، وهو مؤشر إيجابي آمن. ولربما لا تتغير الصورة كثيرا منذ الحدث الأول في الأحساء إلى الثاني في القديح، سوى ربما في تصاعد مشهد التحريض المستمر من قبل بعض الدعاة دون قانون رادع حتى الآن. حتى الرسائل التي أطلقها بعضهم بعد الحادثتين الأولى والثانية لم تكن لغتها سوى غائمة، في محاولة لا تعدو كونها أداء واجب يهدف إلى إبراء ساحتها أمام الحكومة لا أكثر. اللغة المستخدمة سابقا هي التحريض والتكفير الصريح الذي يدعو إلى المواجهة مع مكون وطني. في حين أن اللغة بعد الحدث، تستخدم مفردات "الأمن الوطني" دون أي مؤشرات أخرى للمواطنة.
قرأت في مجلة "فورين بوليسي" قبل يومين تقريرا عن الحدث في محاولة للربط بين طبيعة العناصر الإرهابية، بين منفذ جريمة القديح ومنفذي جريمة الأحساء سابقا وبين جريمة يزيد أبو نيان في قتل رجال الأمن شرقي الرياض. قصة يزيد بدأت بعد أن منع من الدراسة في الولايات المتحدة بعد القبض عليه حين رفض التوقف عن تدخين سيجارة في الطائرة. وقد تواصل بعدها يزيد في المملكة مع "داعشيين" على وسائل التواصل بهدف الانضمام. لكن يزيد كان ممنوعا من السفر بحسب سجله الجنائي في أمريكا، لذا لن يستطيع السفر من المملكة لـ"داعش". لكنهم أخبروه بأنه لا يحتاج إلى السفر وأن بإمكانه البقاء في المملكة وتنفيذ مهماته في الداخل. هذا ما أخبر به اللواء منصور التركي في مقابلة بعد أيام من القبض على الشاب يزيد. وإذا كان يزيد يعاني اضطرابات نفسية، فإن المؤسف أن المتورطين في حادثة القديح في البيان الذي صدر من «الداخلية» هم شبان أيضا بل بعضهم مراهقون صغار في الـ 15 والـ 16 من العمر. ومرة أخرى إذا كان هناك 2500 سعودي استطاعوا الانضمام للجماعات الإرهابية، فيا ترى كم عدد الذين اختاروا العمليات الداخلية سواء من خلال "دواعش" الداخل أو الخارج؟
ربما نقول إن الوضع السوري فاقم معضلة الطائفية في المنطقة بحجم لم تفعله حرفيا القضية العراقية على الأقل بادئ الأمر، وذلك ربما لسببين: أولهما أن بشار الأسد يمثل رمزا "رافضيا" مدعوما من إيران وحزب الله مع محاولة ربط شيعة الداخل بهم، والثاني هو الرمزية السنية لبقية الشعب السوري الذي يذهب ضحية بشار الأسد، مع أن الضحايا هم السوريون من كل الطوائف.كما استغل المتطرفون ذريعة التأجيج الطائفي أيضا بعد المواجهة مع حوثيي اليمن والدعم الإيراني. هذا التحليل هو التحليل الظاهري للوضع. لكن الوضع الحقيقي هو أن خطاب الكراهية والتحريض الطائفي من قبل بعض المحسوبين على الدعوة موجود ومتأصل لا يمكن إنكاره وتجاوزه بسهولة، وهو يزدهر ويتورق مع أي فرصة. إذن لا بد من قانون يحاسب الخطاب الطائفي وينسحب على الجميع سنة وشيعة في الداخل. خطاب الكراهية والتحريض هو خطاب ضد الدولة وضد الوحدة الوطنية وضد الأمن الداخلي. والكراهية والتحريض هما بلا شك بذرة الإرهاب الأولى، حينها لا يضطر الإرهابي إلى السفر، وتصبح الجبهة القريبة هي وطنه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي