«عاصفة الحزم» والتأييد المطلق

«... وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين»، صدق الله العظيم. تخطيط سليم وإبداع في التنفيذ وحكمة في التوقيت، وإصرار على النجاح. هذه هي "عاصفة الحزم" كما شاهدناها على الهواء مباشرة، وكما تبنتها حكومتنا الرشيدة. في ليلة حالكة الظلام، والجميع نيام، تحت مظلة الأمن والأمان، إذ بصقور تشق عنان السماء، نحو أهداف قد تم رصدها من زمان. فأصابت الأهداف بدقة وإتقان. إنه التدريب والتخطيط، وما يتطلبه الموقف من سرية وإحكام. فوجئ الجميع بالاحترافية المذهلة التي ظهر بها أداء حماة الوطن، أبناؤنا الأبطال، في تنفيذ مهمة عسكرية على طراز العصر الحديث. ويا كثرة المفاجآت ضمن هذه العملية. مفاجأة التأييد المطلق من جميع فئات وطبقات وطوائف المجتمع، دون أي تحفظ. والمفاجأة الكبرى، تقبل معظم دول العالم الصديقة للحراك السعودي، وتأييد البعض له. وأحلاه اشتراك عدد كبير من الدول العربية الشقيقة بوحدات قتالية ولوجستية، وضعت تحت قيادة المملكة العربية السعودية إذا دعت الحاجة لذلك. إنها الإخوة والتضامن العربي في أسمى معانيه.
لم نكن نود أن نجد أنفسنا مدفوعين دفعا إلى مساندة الحكومة الشرعية في اليمن عسكريا، بعد أن فشلت جميع المحاولات للتوسط بين الأطراف الشرعية وجماعة الحوثي التي أصرت، بكل استكبار، على المضي في الاستيلاء غير الشرعي على السلطة. فاليمن بالنسبة لنا أكثر من جار وأقرب من شقيق. والشعب اليمني، أولا وقبل كل شيء، بحاجة لنا في سلمه وأوقات محنته. وثانيا، وصل الأمر بتلك الفئة الطاغية إلى الإصرار على فرض نفسها وتقديم مصالحها الخاصة على الصالح العام، بتوجيه وتمويل من أطراف إقليمية معادية هدفها تدمير وحدة اليمن واقتصاده ولحمة شعبه. وقد أصبحت تلك الفئة مصدر تهديد لنا في السعودية نهارا جهارا ولعلاقاتنا التاريخية مع إخواننا اليمنيين. وليس أدل على ذلك من تنامي التصريحات العدائية والطائفية التي ما برحت تطلقها أبواق الدولة التي تقف وراء أطماع الحوثيين. ولم يدرك الحوثيون أنهم أضحوا مخلب قط لدولة أجنبية لا تقيم وزنا للجوار ولا لحسن النوايا والأعراف الدولية. دولة داخل بنائها من زجاج. ولعلها آخر من يعلم أنها هي نفسها مهددة من الداخل أكثر من غيرها، نتيجة للسياسات الداخلية الطائفية التي تنتهجها تجاه شعوبها المغلوبة على أمرها. ومثل ما يقول المثل، "الذي بيته من زجاج لا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة".
وكيف بدأت وتطورت القصة؟ عندما بدأ الحوثي المغرور يتحرك خارج معاقله التقليدية، كنا نظن أنه يريد أن يضمن لنفسه نصيبا من الكعكة اليمنية. وذلك من حقه، فهو جزء من الشعب اليمني، له ما لهم وعليه ما عليهم. ولكننا فوجئنا، مع الأسف، بأن لهم أطماعا أكبر بكثير من حجمهم وقدرتهم. فبدلا من أن يتصالحوا مع السلطة الشرعية ويفاوضوا بحسن نية على المشاركة في تسيير دفة الحكم والعمل على إنعاش الاقتصاد اليمني المنهار، إذا بهم يجتاحون المدن والقرى ويستولون على مرافق الدولة، المدنية منها والعسكرية. وينهبون كل ما يقع تحت أيديهم من أموال وممتلكات الشعب اليمني، دون إحساس بالمروءة وشعور بالمسؤولية. ولم يكتف الحوثي بذلك، بل عبثوا بالأمن وأكثروا في البلاد الفساد. وكنا نظن أن قمة طموحهم وجل مبتغاهم هو احتلال العاصمة صنعاء. وإذا بهم يوجهون "عصاباتهم" إلى المناطق الجنوبية البعيدة. ما يدل على أن هدف المحرك الأجنبي للحوثي التمكن من المواقع الاستراتيجية مثل عدن وباب المندب، لغرض في نفس يعقوب. أهان الحوثيون المساجد ونشروا الطائفية الممقوتة استجابة لنزوات أسيادهم الذين لا يريدون خيرا لليمن والعرب ولا لعامة المسلمين. فقد كانت أصوات النشاز وتصريح السفهاء من الشريك الأجنبي خلال الأيام الماضية، التباهي بأنهم أحاطوا بالسعودية من الشمال والشرق والجنوب. وهو نعت عن استيلائهم على مقاليد الأمور في العراق وسورية واليمن. ولولا فضل الله ثم يقظة أهلنا وأشقائنا في السودان لكانوا اليوم يتبجحون بأنهم يحيطون بنا إحاطة المعصم. وهم لا يخفون أن هدفهم هو الاستيلاء على الأماكن المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو حلم أبعد عليهم من نجوم الثريا. هل هذه يا خلق الله أمة يرجى من جيرتها خير؟ نحن نعلم علم اليقين أن الطرف الذي يسعى إلى زعزعة أمننا ويحاول بث الفرقة بيننا يكره الجنس العربي كره العمى. وهو لا يخفي ذلك، بل يؤكده في كل مناسبة، مع برود في الوجه واحتقار للآخر. ومع سعة حلمنا ورغبتنا في الصلح، ندعوه بكل إخلاص ومودة إلى تبني سبيل الرشد ونبذ الطائفية والتخلق بخلق الإسلام واحترام الجيرة. فكلنا بحاجة إلى العيش بسلام واطمئنان وسعادة ورفاه، بدلا من العداوة المقيتة في زمن يتحتم فيه على الجميع تبادل المصالح من أجل مستقبل أفضل. ونصيحة لله، أن يتخلوا عن عنجهياتهم وحماقاتهم، ليس من أجلنا، بل من أجل صالح شعوبهم ويتركون عنهم التباهي والكبرياء اللذين يضعانهم فوق مستواهم. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي