يستحيل معالجة أزمة الإسكان بهذه الطريقة

صدر قبل أيام أمر ملكي بإعفاء وزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي، وتكليف الدكتور عصام بن سعد بن سعيد. الأمر الذي زاد من تسليط الضوء على موضوع الإسكان - وإن كان لم يخف أبدا بل يزداد سطوعا- بحيث إن الجميع قرأوا التعديل الوزاري لهذه الوزارة على أنه فشل للإدارة السابقة في تحقيق تطلعات القيادة العليا لتوفير السكن للمواطنين. وقد يكون الأمر كذلك في وجه من الوجوه، ولكن في اعتقادي أن الحلول ممكنة حتى الآن وبثمن معقول نسبيا وإن كان اليوم أكثر تكلفة مقارنة بعشرة أعوام مضت. وستزيد التكلفة إلى الدرجة التي قد يكون حلها مستحيلا إذا ما تأخرت أكثر من ذلك.
تاريخيا، ومنذ تأسيس الهيئة العامة للإسكان في عام 1427 حتى 1436، سنكمل اليوم عشرة أعوام منذ بداية إدراك القيادة العليا ضرورة إيجاد حل لموضوع إسكان المواطنين في المملكة. وفي عام 1432 زادت قناعة القيادة العليا بهذه المشكلة وتم تحويل الهيئة إلى وزارة بصلاحيات كاملة وميزانية مستقلة بلغت 250 مليار ريال، واليوم تم في عهد الملك سلمان ضخ 20 مليار ريال أيضا للبنى التحتية. السؤال اليوم: ماذا تحقق على أرض الواقع حتى اليوم بكل تلك الإمكانات المقدمة من القيادة للوزارة؟ حيث كان الاعتقاد أن الحاجة للمساكن في عام 1427 في حدود 500 ألف وحدة سكنية. اليوم وبمعدل نمو سنوي يتجاوز 200 ألف وحدة سكنية، أصبح هناك نقص بأكثر من مليون وحدة سكنية تضاف إلى الـ 500 ألف السابقة لم يتم تنفيذها (مليون ونصف المليون وحدة سكنية إن لم تكن أكثر). وكل سنة تأخير في تحقيق أي نتائج هناك زيادة بنحو 200 ألف وحدة سكنية تضاف للطلب السابق.
في اعتقادي أن المسألة أبسط بكثير من أن تحتاج إلى وزارة ووزير، أو حتى هيئة! وقد سبقت الكتابة في هذا الموضوع منذ عام 2009 على شكل مقالات ودراسات في هذه المسألة. ما تم في السابق كان معالجة بفكر السبعينيات من القرن الماضي حيث كانت الحلول في حينها مقبولة وممكنة بسبب عدد السكان والتوقعات. نحن اليوم في عام 2015: مستحيل معالجة قضية رئيسة مثل السكن في اقتصاد مثل المملكة بهذه الطريقة التي حاولت وزارة الإسكان معالجتها خلال السنوات الماضية، ما نحتاج إليه هو نموذج أعمال متكامل لقطاع التطوير العقاري يشمل الإسكانBusiness Model تستطيع "السوق" بناء عليه أن تعمل وحدها دون تدخل إلا من خلال التشريعات اللازمة، ومن ثم الإشراف والرقابة فقط، للتأكد من جودة السلعة المقدمة (السكن) والأسعار المنافسة وحفظ الحقوق للأطراف الداخلة في عملية تقديم المنتج (السكن).
أما وزارة تريد أن تبني وتستقبل الطلبات ومن ثم تتورط في وعود لم ولن تستطيع الوفاء بها مهما أعطيت من صلاحيات وأموال، هذا أمر دونه أن يلج الجمل في سم الخياط.
قراءتي الشخصية وتمنياتي لقرار الملك سلمان بن عبد العزير أن هناك نية لإعادة هيكلة مشروع الإسكان في المملكة، من خلال أمر التكليف للوزير الجديد الذي آمل أن يكون مطالبا فقط بأمور محددة لتنفيذها وتعديل المسار ومن ثم بدء التعديلات الهيكلية الجديدة، بعد وضع التشريعات اللازمة لذلك، خصوصا ونحن على وشك الانتهاء من الشق المالي في قضية تمويل المساكن من خلال نظام الرهن العقاري ونظام التمويل العقاري، ومشروع شراء الرهونات العقارية من خلال الشركة التي يزمع تأسيسها صندوق الاستثمارات العامة لهذا الغرض، وكذلك نظام مراقبة شركات التمويل والترخيص لشركات متخصصة في التمويل العقاري (17 ترخيصا حتى الآن) بما فيها المصارف، والعمل جار لتطوير السوق الثانوية فيما يخص الصكوك والسندات وشراء الرهونات العقارية وتبادلها. ولم يبق إلا جانب التطوير العقاري الميداني (أراض وبناء) الذي هو بحاجة إلى تنظيم وتطوير من خلال تأسيس شركات متخصصة في تطوير الأراضي والمساكن والتي تعتبر محدودة وغير منظمة. وأعتقد أن السوق من خلال الجدوى الاقتصادية نظرا للحاجة الكبيرة للمساكن سواء اليوم، أو للنمو المستقبلي تجعل منها جاذبة للاستثمار إذا ما وضعت التشريعات المناسبة لها. أسأل الله العلي القدير أن يسدد الخطى وأن يحقق الأهداف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي