مركز الملك عبد الله للحوار .. رسالة سلام خلدت ذكراه بين الشعوب
عكس مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في النمسا الذي انطلق عام 2005، رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، الثاقبة للأوضاع السياسية والدينية في العالم، وجسد فكره المتطور في ضرورة تجنب ما سمي حينذاك صراع الأديان والحضارات، واستبداله بنشر فكر التعاون والتسامح وقبول الآخر بين أتباع الديانات المختلفة في العالم.
وتبنى رحمه الله، فكرة إقامة هذا المركز الدولي لدعم الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة، ومد يد العون إلى شركاء دوليين حتى يكون المركز معبرا عن التوجه العالمي الذي ترعاه السعودية بتأييد من بينتديكت السادس عشر بابا الفاتيكان حينذاك، الذي حرص رحمه الله على الالتقاء به والإعلان معه عن تأسيس هذا المركز بالتعاون مع حكومتي النمسا وإسبانيا، وحرص المركز منذ انطلاق نشاطه في فيينا، على مكافحة التطرف باسم الدين، ونبذ العنف، ونشر الخطاب الديني المعتدل، وإصلاح الرسالة التعليمية والإعلامية، لتنشر قيم التسامح والتقارب بين البشر دون النظر إلى الاختلاف في الجنس أو اللون أو العقيدة.
وفي هذا الصدد، قال لـ"الاقتصادية" الدكتور فيصل بن معمر؛ الأمين العام لمركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، إنه في عام 2005 توقع العالم أن يحدث صدام بين الحضارات، إلى أن جاءت هذه المبادرة النبيلة من مكة المكرمة قبلة المسلمين، التي تعد مبادرة باسم الإسلام، واُستقبلت بشكل رائع في كل دول العالم خاصة من قبل بابا الفاتيكان حينئذ.
وكان المركز مثالا عمليا لفكر الملك عبدالله، حيث ضم مجلس إدارة يمثل كل الأديان بما فيها المعتقدات الآسيوية الوضعية، وتمت إدارته وفق فكر عالمي متطور، يدعم فكرة التقارب والتعاون بين الأديان، فيما قدم إسهامات جليلة في مواجهة الصراعات الدينية الملتهبة خاصة في إفريقيا، وتصدى لكل أشكال الطائفية والتطرف، وأكد سماحة الإسلام وإيمان المملكة بمد جسور التعاون والحوار مع كل الأعراق والأديان.
وأضاف أن فكرة المركز انطلقت خلال لقاء تاريخي جمع الملك عبدالله مع بابا الفاتيكان، ثم انطلقت مرة أخرى لتضم كل المعتقدات كالبوذية والهندوسية ومعتقدات أخرى، لافتاً إلى أن المركز حرص دائما على تنفيذ فكر وتوجيهات مؤسسه، وقدم إسهامات واسعة في تحقيق السلام والتآلف والتعاون والتعايش بين المجتمعات المختلفة، انطلاقا من الإيمان بأن الشرق الأوسط هو مهد الديانات السماوية، ومبعث الأنبياء من إبراهيم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وأوضح بن معمر أن "الراحل العظيم كان معنيا بقضية السلام على نحو كبير، وكان يرى أن الصراعات الحالية في منطقتنا والعالم ليست صراعات دينية، بل هناك أشخاص متطرفون يغذون هذه الصراعات لمآرب سياسية، ويريدون إشعال نار التطرف بصفة مستمرة".
وأكد أن المركز كان يعمل دائما على تصحيح الصورة المغلوطة عن الأديان وأتباعها، مضيفاً "عملنا على أن نقطع الطريق على من يقولون إن الدين هو سبب المشكلات والصراعات، لنؤكد أن الدين عامل مساعد للخير، وليس سببا لإشعال الفتن".
وأشار بن معمر إلى أن المركز لا يزال يسعى إلى تنفيذ فكر الملك عبدالله، ويحقق الغايات التي تأسس من أجلها، بما فيها قناعته بأن الحوار والتعاون بين أتباع الديانات ممكن، وهناك مساحات مشتركة تدفع إلى الخير والتعاون والتقارب بين البشر.
وأوضح أنه رحمه الله لم يسع إلى إقامة مركز سعودي في أوروبا، لكنه اهتم بتقديم رسالة إنسانية بالغة الرقي والتحضر، تعكس في الوقت نفسه سمو الحضارة العربية والإسلامية، لذا شدد على أن يكون هذا المركز مركزاً دولياً لا يخص دولة معينة ولا دينا محددا، وإنما مسعى إلى خير البشرية بمبادرة من السعودية، مضيفاً أن المركز حرص دوما على التواصل مع القادة الدينيين في كل العالم من أجل التعاون والمشاركة.
ولفت بن معمر إلى أن المركز اهتم بعدد من القضايا وفق رؤية الراحل، حيث ركز في البداية على مرحلة كسر الحواجز النفسية، ثم الدخول في مرحلة بناء الثقة، إلى تبني الآراء المعتدلة والعاقلة، مشيرا إلى أن "الأغلبية الصامتة في كل الأديان تسعى إلى الخير، كما يجب علينا التركيز على التطرف والكراهية في الحوار".
وبين أن الملك عبدالله اهتم بأن تصل رسالة المركز إلى الجميع، وألا تكون محصورة بين النخبة والقادة الدينيين، لذا تم إعداد عديد من البرامج وورش العمل والأنشطة المختلفة التي تركز على نشر قيم وأهداف المركز بين مسؤولى التعليم والثقافة والإعلام والشباب إلى جانب القادة الدينيين، مشيرا إلى أن المركز نجح في توصيل رسالته إلى الجميع، وقد ظهرت نماذج ناجحة في إفريقيا بين المسلمين والمسيحيين واليهود في عمل مشترك من أجل حماية الأسرة.
وحول حملات الانتقاد ضد المركز ودوره، قال بن معمر إن "المركز أسسه شخصية وطنية وعربية وإسلامية عظيمة يقدرها الجميع في العالم ونحن نسير على خطاه وأفكاره، ولا نخشى النقد، وبدون النقد لا يتم الإصلاح"، مبيناً أن "النقد عنصر أساسي في الحوار، والنقد المبني على معلومات صحيحة لا بأس به، أما النقد الذي يكون دافعه التشفي والكراهية والرغبة في تحطيم الآخر، فهو مرفوض ونسأل الله أن يحمينا منه".
وأكد أن الإعلام يعد شريكا أساسيا، فيما أهاب بالإعلاميين الحصول على المعلومات من مصادرها الأساسية والصحيحة، وعدم إطلاق الاتهامات جزافا، والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ وليس النصف الفارغ، داعياً الجميع إلى زيارة المركز والتعرف على منظومة عمله.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" بهجت البيبه؛ رئيس المركز الإسلامي في مدينة ليوبن النمساوية، "لقد فقدنا برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، شخصية إسلامية وعربية بارزة، يندر أن يجود الزمان بمثلها، حيث لجلالته إسهامات تاريخية كبيرة في مجالات عديدة".
وأشار إلى أن من أبرز إنجازاته العظيمة في النمسا، تأسيسه مركزا عالميا للحوار بين أتباع الثقافات والأديان، موضحا أن هذا المركز يحمل رسالة تنويرية شديدة السمو، ترسخ لقيم الحوار والتقارب والتعاون بين أتباع الديانات المختلفة، كما قدم للغرب صورة حضارية تعكس قيم الدين الإسلامي الحنيف، وتؤكد رسالته السامية لهداية البشرية ونشر القيم والأخلاق الرفيعة.
وأوضح أن المركز أكد انفتاح المسلمين على كل الثقافات والأديان، وإيمانهم بالحوار والتعاون، ورفضهم التطرف والإرهاب، لافتاً إلى أن هذه المبادرة السامية جاءت من السعودية قلب العالم الإسلامي، حصن الإسلام ونموذج للإيمان المستنير وتجسيد للقيم الدينية السمحاء.
وأضاف أن مبادرة الملك عبدالله لاقت قبولا واسعا في العالم، وشاركت قيادات الأديان المختلفة في نشاطات المركز بعدما لمسوا جديته وسمو أهدافه، وبعد أن ملأ فراغا مهما في ظل ظروف دولية صعبة تخيم عليها الصراعات الدينية والحروب الطائفية، حيث كان مثل طاقة نور في ظلام حالك.