«اتفاقية الدوحة» وانعكاسها على الأصول السيادية السعودية

"إن صناديق الثروة السيادية يجب أن تعمل بكفاءة من أجل الأجيال القادمة التي تتوقع ألا يستأثر الجيل الحالي بالثروة ويحافظ على ديمومة العيش الكريم، وأن تأخذ بعين الاعتبار أهمية إدارة الأصول السيادية بمهنية عالية حتى لا يسيطر فيها القرار السياسي على القرار الفني". هذه كانت كلمات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لأعضاء المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية بمناسبة مشاركتهم في الاجتماع السنوي السادس المنعقد في الدوحة في نهاية الأسبوع الماضي. كان هناك حضور لافت من أغلب صناديق الثروة السيادية في العالم، بما فيها الصناديق السيادية الخليجية وكذلك المنظمات الدولية وبيوت المال العالمية. أتت هذه الصناديق من كل أصقاع العالم من أجل مناقشة أفضل الممارسات في الاستثمار طويل المدى (من خلال تبادل الخبرات بشأن تعظيم العوائد في ظل مخاطر معقولة) ودور مبادئ سانتياجو لصناديق الثروة السيادية في ضمان تطبيق حوكمة حصيفة وترتيبات المساءلة. ولكن الأهم من كل ذلك هو التوقيع على "اتفاقية الدوحة".
الهدف من "اتفاقية الدوحة" هو إعلان ميلاد المنتدى كهيئة مستقلة ومنحها الشخصية القانونية والموازنة المستقلة وتتخذ من لندن مقراً رئيسيا. هذا يعد نقلة نوعية بعد أن كان المنتدى يعمل تحت مظلة صندوق النقد الدولي منذ عام 2009م. وفي الوقت نفسه، بما أن مبادئ سانتياجو توفر إطارا طوعيا (أو اختياريا) على أسس الحوكمة المنضبطة وطويلة المدى وكذلك الاستثمار على أسس مالية واقتصادية بحتة، قام المنتدى بنشر سلسلة من دراسات الحالة عن كيفية تنفيذ بعض أعضاء المنتدى (ومن بينهم الكويت وقطر) مبادئ سانتياجو. الهدف من ذلك رفد المعرفة العالمية عن مبادئ الاستثمار والممارسات التشغيلية وتعزيز الشفافية لهذه الصناديق المنضوية تحت مظلة المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، وتأكيد التزامهم الراسخ بعضويتهم ضمن الإطار القانوني الجديد للمنتدى.
المملكة العربية السعودية، ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، كانت مساهمة ليس فقط من خلال مشاركتها في منتديات الأعوام الماضية، ولكن في مجموعة العمل الدولية للصناديق السيادية عند صياغة وتبني مبادئ سانتياجو عام 2008م. "ساما" كانت وما زالت أحد المراقبين الدائمين في هذه الاجتماعات، ما دعا المختصين في الصناديق السيادية (من ضمنهم مقالي المفصل في عدد "الاقتصادية" 7400) إلى النظر إلى "ساما" على أنها ليست فقط بنكا مركزيًّا ولكن الأخذ على عاتقها مهمة الصندوق السيادي عند إدارة الفوائض المالية. الآن وبعد المصادقة على "اتفاقية الدوحة"، أصبح يتساءل بعض المختصين عن فعالية استمرارية مشاركة "ساما" كمراقب دائم عوضاً عن المشاركة كعضو رسمي، وبالأخص بعد الترحيب بخمسة أعضاء جدد إلى المنتدى ليصبح الإجمالي 28 عضوا. إضافة إلى ذلك، إن "ساما" يتم تصنيفها على أنها ثاني أو ثالث أكبر صندوق سيادي في العالم بعد النرويج، ما يستدعي التمثيل بشكل أفضل لخدمة مصالح الوطن من خلال توجيه الخطة الاستراتيجية للمنتدى.
من وجهة نظري الشخصية، مشاركة "ساما" كمراقب دائم هي الخيار الأنجع على الأقل في المرحلة الحالية وذلك لسببين رئيسين:
أولا: قبل انضمام أي عضو جديد إلى المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية لا بد أن يكون هناك تقييم ذاتي عن مدى الامتثال لمبادئ سانتياجو من خلال التمسك الطوعي لهذه المبادئ والموافقة على ميثاق ودستور المنتدى. هذا يستدعي الإفصاح عن الأهداف الرئيسية للصندوق وعلاقتها بالإطار العام للسياسة الاقتصادية الكلية، الإطار القانوني، الإطار المؤسسي وهيكل الحوكمة، الإطار العام لإدارة الاستثمارات، وأخيرا القواعد الأساسية للشفافية. لذا من الواضح أنه لا بد من أخذ الوقت الكافي لتطوير (أو تأسيس) هذه الأطر وتقنين العلاقة بين وزارة المالية (المالك القانوني لاحتياطيات الدولة) و"ساما" (مدير هذه الأصول تحت التفويض الممنوح لها من قبل وزارة المالية). هذا قد يستلزم التنسيق والتشاور مع بعض الجهات ذات العلاقة بالصندوق السيادي مثل مجلس الوزراء والمجلس الاقتصادي الأعلى. هذا التقييم الذاتي لم يكن موجودا عند تأسيس المنتدى، ولكنه شرط ضروري لأي عضو جديد.
ثانيا: بما أن المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية بدأ بنشر سلسلة من دراسات الحالة لتكون أساسا متينا للبحث من قبل أولئك المراقبين في المؤسسات والأوساط الأكاديمية الدولية الذين يراقبون التقدم المحرز في تنفيذ مبادئ سانتياجو منذ أن تم نشرها في عام 2008م، فإن وجود "ساما" كعضو قد يجعلها تحت محط أنظار هؤلاء المراقبين من خلال مقارنة مستوى شفافيتها بالصناديق السيادية الأخرى وبالأخص الصناديق السيادية التابعة للكويت وقطر وأبوظبي.
خلاصة القول، إن "اتفاقية الدوحة" قد تمثل بعض الضغط من أجل زيادة تمثيل "ساما" في هذا المنتدى الدولي الضخم، حيث إن أعضاءه يقومون بإدارة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من الأصول السيادية. لكن لا بد من لفت النظر إلى أنه من الصعوبة بمكان اتخاذ هذه الخطوة في المدى القريب ويعود السبب في ذلك إلى الحاجة إلى "إعادة ترتيب البيت من الداخل" من خلال: سن بعض الأنظمة وتطوير (أو إعداد) الإطار القانوني، هيكل الحوكمة، إطار الرقابة والمساءلة، كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية الرئيسية، ونشر هذه الأنظمة والأطر وجعلها متاحة للمختصين في الصناديق السيادية والمهتمين بالشأن العام. كل هذه الأمور ستساعد على تعزيز الثقة والشرعية على الصعيدين الوطني والدولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي