Author

محللون سياسيون

|
أصبح الحديث عن كثرة الأحداث وتداعياتها الأمر الوحيد تقريبا الشاغل للمجتمع السعودي. على أن التحليلات التي تظهر كل يوم لتأييد أو معارضة مفاهيم واستراتيجيات السياسة الدولية، لا تتطرق إلا إلى ما يؤيد نظرية كاتبها. يتبنى كثيرون ما يقوله أشخاص أوتوا قدرة البيان أو لديهم مهارة ربط الأحداث للوصول لنهايات محددة يرغبون في أن تتحول إلى قناعات مجتمعية. لكن من يدركون خفايا السياسة الدولية، ويطلعون على نقاشات الغرف المغلقة، لن يتقدموا بتفسيراتهم التي تقع في نطاق "سري للغاية". أعجبني الربط الذي أورده أحد مثقفي المملكة بين الحرب العراقية - الإيرانية واحتلال دولة الكويت وحرب أكتوبر عام 1973م. إذ أسست مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية لعملية طويلة الأمد استهدفت كل دول المنطقة، ورسمت المسارات المنطقية للوصول إلى مرحلة الصدام الاقتصادي ومن ثم السياسي والعسكري. يعتمد الناس في مجالسهم على ما يقرأون وما يشاهدون من تحليلات هدفها تسيير الرأي العام نحو تبني مفاهيم وتوجهات معينة، إضافة إلى ضمان بث قدر معين من الخوف الذي يؤدي إلى فقدان قدرة الحكم على الأمور بطريقة منطقية، وهو ما يبني عليه راسمو السياسات العليا. كل هذا يسير حسب خطط محكمة تتنبأ بردود الأفعال وتبني عليها القرارات الجديدة. مع أخذ الكم الكافي من المرونة حيال توقعات المخطط، لتلائم اختلاف ردود الفعل والمؤثرات الأخرى التي تسيطر على القرار وعلى العقل الجمعي الذي يتفاعل معه، ويبني عليها ما نراه يوميا على الصفحات والشاشات. يمكن القول إن مناقشة أمور مصيرية بهذا الكم الهائل من التداخلات لم يكن ليحدث لولا ثورة الاتصالات وانتشار مواقع التواصل واعتماد الناس عليها في قراءة وتفسير الأحداث وهو ما يجعل مهمة المخطط أكثر سهولة، فهو يكتشف ردود الأفعال كل يوم على شاشة هاتفه أو جهاز الحاسب الذي يرافقه. لقد آن الأوان لبناء القرارات على مخرجات عمليات البحث والدراسة والاستقصاء. أغلب الدول العربية والإسلامية واقعة تحت تأثير الأفعال الخارجية وهي بعيدة كل البُعد عن إصدار الأفعال، كما يحدث مع مَن يعتمد على هذه المراكز. يلغي هذا مفهوم العباقرة الذين تنتهي عبقريتهم بموتهم، ويبقي مفهوم المؤسسات التي تبني على مجموع عبقريات مكوناتها وتوثقها لتصبح مسيرة للقرارات المصيرية.
إنشرها