«حافز» و«البطالة» و«ساند» .. أسرار كونية

لماذا لم يعد صندوق الموارد البشرية ينشر أعداد المستفيدين من حافز؟ والمبالغ المدفوعة إليهم بصورة شهرية؟ كما بدأ مع موافقة المقام السامي بإقرار تلك الإعانة للعاطلين والعاطلات؟ وأين المرصد الشامل لجميع معلومات سوق العمل المحلية، الذي يتخطى العام الثالث على إعلانه من قبل وزارة العمل؟ أسئلة تتعلق بأكثر من 1.6 مليون مستفيد ومستفيدة كعاطلين وعاطلات من إعانات حافز، وتتعلق أيضا بميزانية صندوق الموارد البشرية التي تناهز سنويا أكثر من 30 مليار ريال، لماذا هذا الغياب المعلوماتي حولها؟ وكما يبدو أن الأموال التي ستتدفق على المؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية تحت نظام "ساند" ستتبع سابقاتها في السرية وغياب الإفصاح، أخيرا؛ لماذا تتعمد وزارة العمل مخالفة استراتيجية التوظيف السعودية في مسألة احتساب معدل البطالة، وهي التي دائما تعلن التزامها بها، لتعتمد فقط على المعدل "المقدر" وفقا لمسح لا يتجاوز نطاقه 25 ألف أسرة سعودية وغير سعودية، علما أن الاستراتيجية انتقدت هذه الآلية، وفضلت الاعتماد على ما ستنتجه وفقا لآلياتها، هل لأن معدلا للبطالة أدنى من 12 في المائة أعلنته مصلحة الإحصاءات، جاء أدنى من المعدل الذي تفصح عنه الاستراتيجية يناهز 36.8 في المائة؟
عشرات الأسئلة تتكدس عاما بعد عام حول عمل الفريق المسؤول عن ملف التوظيف والبطالة في اقتصادنا، والإشكالية ليست في غياب الإجابات، بقدر ما إنها تكمن في غياب تحقق النتائج والوعود الكبيرة التي أطلقتها وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية، وأخيرا انضم إليهما المؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية.
كما يبدو فعليا أن صندوق الموارد البشرية أصبح يتعمد إخفاء تطورات السلاسل الشهرية لأعداد المستفيدين من حافز، رغم أنه كان ينشرها بانتظام في وقت سابق، وأرجو ألا تتجاوز مبرراته غير المقبولة؛ كي لا تحسب عليه وعلى وزارة العمل كأعداد عاطلين عن العمل، ومن ثم يكتشف أن معدل البطالة يحلق في مستويات مرتفعة جدا، تفوق أعلى المعدلات المسجلة عالميا، رغم أن الصندوق والوزارة دائماً ما يكرران أثناء الشوارد القليلة التي يتم الإفصاح عنها في خصوص المستفيدين من حافز، أن أغلب المستفيدين من النساء، تخفيفا لحدة الصدمة المتوقعة لدى المجتمع حال سماع تلك الأرقام المفجعة.
إنها ردة فعل لحادثة جرت قبل نحو العامين، حينما قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بنشر إحصاءات المستفيدين من حافز، واعتبارهم عاطلين عن العمل وهم كذلك، والتي بناء عليها اكتشف الجميع أن معدل البطالة في السعودية وصل إلى أعلى من 40 في المائة آنذاك، في الوقت الذي كان معدل البطالة المعلن عنه من مصلحة الإحصاءات العامّة لا يتجاوز 10.5 في المائة، وأن تحدي البطالة أمر قابلٌ للسيطرة عليه في أقرب وقت. ومنذ ذلك التاريخ، توقفت مؤسسة النقد العربي السعودي عن نشر تلك البيانات، وكما يبدو أنه كان قرارا مشتركا بينها وبين وزارة العمل، وأن يتم الاكتفاء بما تصدره مصلحة الإحصاءات من "تقديرات" عوضا عن الأرقام الفعلية للعاطلين والعاطلات، المسجلين في بيانات صندوق الموارد البشرية.
اللافت هنا؛ أن قيام وزارة العمل بهذا الإجراء يتعارض مع ما ورد في استراتيجية التوظيف السعودية التي انتقدت طريقة مصلحة الإحصاءات العامة في احتساب معدل البطالة وأعداد العاطلين، كما أنه يتناقض تماما مع تصريحات وزير العمل الذي طالما يؤكد التزام وزارة العمل المستمر بكافة بنود الاستراتيجية. ولكن كما يتضح على أرض الواقع، أن أعداد المستفيدين والمستفيدات من حافز يكشف بجلاء عن الحقيقة المغيبة لمعدل البطالة المرتفع، ويكشف قبل ذلك كله فشل وزارة العمل في مواجهة التحدي الجسيم للبطالة، ولعل اعتراف الوزارة الأخير بفرض عقوبات صارمة على التوظيف الوهمي، يؤكد أن فشلها أكبر مما كان متصورا.
يشير الرصد المستمر لكل ما قامت به وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية، إلى أنه لم ينتج عنه إلا ما يلي: (1) زيادة التوظيف الوهمي، وهو أول النتائج التي توقعتها الاستراتيجية إذا لم يتم الالتزام بها كما وضعت. (2) ارتفاع تكلفة التوطين أكثر مما هو مخطط له وفقا للاستراتيجية، وحسب آخر التصريحات المتقطعة لصندوق الموارد البشرية، أن الإعانات لآخر سنة مالية له تجاوزت 29 مليار ريال، على الرغم من الحسومات الكبيرة التي اعتاد الصندوق القيام بها على الإعانات المدفوعة للمستفيدين من البرنامج. (3) أن معدل البطالة الفعلي الذي تم احتسابه حتى منتصف 2014 والبالغ 19.3 في المائة (12.4 في المائة للذكور، 30.3 في المائة للإناث) وفقا للتالي: العاطلون من مصلحة الإحصاءات العامة، موظفو الحكومة من وزارة الخدمة المدنية، موظفو القطاع الخاص من وزارة العمل. تؤكد الأرقام أنه يعد مرتفعا جدا، ما يضع المملكة في المرتبة العاشرة دوليا من حيث أعلى معدلات البطالة حول العالم، فماذا ستكون النتيجة حال استبدال أعداد العاطلين الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامّة البالغ 657 ألف عاطل، بأعداد العاطلين المسجّلين لدى صندوق الموارد البشرية والبالغ وفقا لآخر إعلاناته القديمة أكثر من 1.6 مليون عاطل وعاطلة؟ التقديرات تشير إلى احتمال بلوغه 36.8 في المائة، وهو معدل أعلى من أي معدل للبطالة حول العام وفقا لبيانات البنك الدولي الأخيرة، الصادرة في منتصف أيلول "سبتمبر" 2014. (4) الأخطر من كل ذلك، ونتيجة لتفشي مظاهر التوطين الوهمي (توجد ست وظائف وهمية للسعوديين من كل عشر وظائف تم توفيرها لهم منذ بدأت وزارة العمل برامجها)، أنّ متوسط أجور السعوديين سجل تراجعاً للعام الثالث على التوالي، ويتوقع مع تدشين نظام ساند، الذي سيتيح للمنشآت التخلص من السعوديين والسعوديات ذوي الأجور المرتفعة، وإحلالهم بأعداد أكبر من السعوديين بأجور أدنى، تساهم في زيادة نسب التوطين (مثال: موظف براتب شهري يفوق 30 ألف ريال، ولا يعد إلا مقعد واحد في معادلة التوطين! يمكن إحلاله بعشرة موظفين وبمجموع رواتب أدنى، ولكن سيرفعون معدل التوطين لدى المنشأة). وفقاً لهذا الإجراء سيلاحظ تحت مظلة العمل بنظام "ساند"، أن متوسط الأجور ستتراجع بصورة أكبر من قبل خلال الأعوام القادمة. وأستكمل الحديث معكم في الجزء الثاني من المقال بإذن الله تعالى. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي