درء الخطر العربي (7) : ما بين الكابوس والحلم.. خطواتٍ حاسمةٍ !

هذه المقالة قد تكون الأخيرة في إطار هذا الموضوع، وتتناول السؤال التالي: ما الذي سيحصل تالياً؟ وينبغي أن يتطابق ما سيتم استشرافه مع الواقع ويُفسر ما يصعب فهمه مما يجري وإلا تهاوى الإطار العلمي والمنهج الذي قامت على أساسه هذه المجموعة من المقالات.

ختمت المقالة الثانية بعنوانها الفرعي "هزيمة البراجماتية!" والذي ناقش كيف أن تسونامي الحدث العظيم الثاني قد أذهل البراجماتيين وأربك معادلتهم الأساس بالقول: أنه قد فات على البراجماتيين أنهم لا يمسكون عصاً جامدةً، بل أنهم يتعاملون مع كائن حي كامل القدرة، فإذاً سيعتمد كل ما يأتي على ما هو سلوك الخلايا المتشددة التي يواجهها البراجماتيون الآن "بعمليات تأديب ممنهج"؟، فإن أذعنت "الخلايا" سيمكن تعديل المعادلة البراجماتية بما يتناسب والواقع، وإن هي "تمردت" على البراجماتي وانقلبت عليه، فأحد سيناريوهين: (أ) أن يلجأ البراجماتيون للتصعيد وبذلك يكونوا قد استفادوا من كلا درسي تسونامي الحدث العظيم الثاني والفشل في التدخل العسكري في سوريا، فلا مجال هنا للمغامرة وقد سنحت لهم الفرصة التي لن تتكرر (بل ربما أن إنقلاب الخلايا "مدبرٌ" إمعاناُ في "حبكة الدراما" وخلقاً للفرصة)، (ب) أن يستخدم البراجماتيون تمرد الخلايا وانقلابهم مبرراً للعودة لمجلس الأمن والضغط تجاه استصدار قرار للتدخل العسكري خاصة وأنه قد تم التمهيد لذلك بصدور القرار رقم (2170) "بإجماع" أعضاء المجلس وبذلك يكون البراجماتيون قد اكتفوا باستيعاب درس الملف السوري دون تسونامي الحدث العظيم الثاني.

وفي كل الأحوال سيكون في ذلك اختبار "للذكاء الفطري" الذي تعاملت به الجامعة العربية مع الملف السوري كما تم مناقشته في المقالة الخامسة، فإن أثبت أحرار العروبة ذكاءهم الفطري الراسخ عبر التاريخ، "وسبقوا" البراجماتيين لأول مرة منذ زمن، سأقول عندها: أوموعدٌ مع القدر أن يتزامن (يوماً وشهراً) تاريخ انتخابات الرئاسة في الشقيقة "جمهورية مصر العربية" مع تاريخ التنفيذ المفترض لعملية "فجر" التي هددت الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل العسكري لمنعها ووعد الرئيس الأمريكي "الوهمي" حينها بتسوية الخلاف الحاصل بسبب استمرار اعتداءات الكيان الغاشم واستفزازاته؟ أوموعدٌ مع القدر أن يتزامن (يوماً وشهراً) تاريخ تنصيب رئيس "جمهورية مصر العربية" مع تاريخ "إعلان الموافقة على شروط وقف إطلاق النار" في الهجمة الغادرة على "أرض الكنانة" الغالية؟

سبع وأربعون عاماً انقضت منذ موعد عملية "فجر"، وأربعون عاماً وسبعة أشهر وأسبوعين وخمسة أيام ستُحسب منذ عبور 6 أكتوبر 1973 م العظيم، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف ذلك الزحف المبارك لردع ذاك المعتدي الأثيم، وانقاذه من مصير مستحق وأقر به الكيان المحتل، والأهم أولاً ً وعاشراً وألفاً.. أن مصر حرة أبية، وأن شعب مصر لم يعد ليقبل الوصاية والتبعية، وأن "لاءاً" صارمةً ستصد كل من تسول له نفسه التفكير في التدخل في الشئون الداخلية أو السيادية لمجتمع أرض الكنانة، وأن مصر "عربية" ويقف معها أشقاءها الأحرار مساندين لها بكل ما أوتوا من عزيمة.

وهنا تذكرت احتفاليات مواسم حصاد سيد أقطان العالم، والذي يتفاخر أثرياء سكان الدول العظمى بارتداء منسوجاته، والصناعات المساندة والتحويلية التي تقوم عليه، مستحقاً أن يُسمى "بالذهب الأبيض"، وتتزامن مع احتفاليات حصاده مناسبات الزواج والتنمية العمرانية وسواها، ثم قارنت ما يحصل الآن بالنسبة "للذهب الأسود" مع وضع "الذهب الأبيض" فقلت حاشى إلا أن يعود "الذهب الأبيض" إلى سابق عهده وأفضل، وإلا أن تتطور الاستفادة من "الذهب الأسود" إلى أقصى مدى، وإلا أن ينضم إليهما "الذهب الذهبي" المتمثل "بالتربة الخصبة" وإلا أن يُفاد من كنوز البحر، وخيرات السهل والوادي والجبل، كما وإلا أن تتطور الصناعات الأخرى القائمة على "خراج" تلك الأراضي الثرية من المحيط إلى الخليج، وإلا أن تتسنم العقول العربية ريادة العلوم والمعارف، وإلا أن تعود الحضارة العربية أقوى ويقام لها كل اعتبار.

وفي خضم تباشير "النهضة الحضارية العربية"، والأمل في أن تصبح واقعاً، وقادرة على فرض إمكاناتها نداً للند مع الحضارات المعاصرة، وجدتها فرصة سانحة لتعديل عنوان مجموعة المقالات إلى "عودة الحضارة العربية"، فوجدتني أرى المنطقة وقد سادها "السلام" وأطفئت آخر بؤر الشر وانتُزع فتيل أي شرارة للفتن والصراع، فإذا بالأمر ليس بحلم يقظة، بل أنه غايةً في البساطة بتحقق شرطين مبدئيين.

فليعلم أي معتدٍ على وجه البسيطة أنه لن ينعم بالأمن "مطلقاً.." طالما أنه يصر على خداع نفسه بأن يكون "سيداً" يُرضخ لأمره، فهذا لن يكون، ويجب ألا يدور في خلد "الواهمين" أن "فرض الأمر الواقع" سيغير من هذا "المبدأ الشرعي"، عدا عنه كونه "قانوناً إنسانياً"، أو يبدل منه أو فيه قيد شعرة أو أدنى، وليعلم المعتدي أنه لن يرضخ وفقاُ لهذا المبدأ الشرعي وذاك القانون الإنساني أي مجتمع، ولن تُخضع أي قوة مهما كانت طبيعتها ومداها جاهلاً أو مستضعفاً أو مغلوباً على أمره، فكيف وهذا المجتمع صاحب حضاراتٍ عريقة عبر إقليمٍ له تاريخه، هذا هو هذا، رضي من رضي واستشاط حد الهلاك من لم يعجبه.

إذا ما الرأي والكيان الغاشم يُصر على استمرار عدوانه؟ الحل لدى المنتمين لتلك الديانة السماوية وليس لدى فئة المتنفذين وذوي المصالح الخاصة منهم والذين عصوا الأوامر الإلهية ونقضوا العهود وتلاعبوا منذ الأزل بمصير الفئة "الإنسانة" منهم، والأمر بكل بساطة ودون حاجة لطول شرح، هو إلغاء "وهم" القدرة على السيطرة والإخضاع، والاستفاقة من "تهيؤات" فرض الأمر الواقع غير الواقعي، وإلغاء مفردة "التسلط" غير العقلاني، فكل ذلك غير متوافق مع المبادئ الشرعية والقانون الانساني.

أما وقد تحقق هذا الشرط، وفقط في حال تحققه، فقد يتحقق به تقبل المنطقة العربية للمنتمين للديانة اليهودية كجزء من النسيج المجتمعي واندماج أفراده فيه كمواطنين يتمتعون بكافة حقوق المواطنة دون تفاضل وتميز (أي لا استحواذ وتفرد بالحكم) أو انتقاص (أي لا للمعاملة كمواطن من درجات أدنى)، بما في ذلك الحقوق السياسية وحرية التعبير وممارسة الطقوس الدينية وغيرها، وذلك في أطار الدستور ونظام الحكم الذي يًتفق عليه بين فئاته، يتعايشون فيه "سلماً" وينهضون به "سوياً" ويدافعون عنه "معاً"، هذا ما أثبته التاريخ السابق واللاحق لكافة الثقافات والأمم وإلى أن يرث سبحانه وتعالى الأرض وما عليها.

أوليس ذلكم هو الأمر الطبيعي والذي يضع الأمور في نصابها إن قُدر له ذلك؟ وللقائمين على "مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات" دور أساس وجوهري في تحقيق ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي