كتاب هيلاري .. لا شيء يستحق الذكر

«خيارات صعبة» ذلك هو العنوان الذي اختارته هيلاري كلينتون لكتابها الصادر حديثاً عن دار "سيمون وسشستر" Simon & Schuster في (635) صفحة من القطع المتوسط، وهو كتاب أشبه ما يكون بالمذكرات أو اليوميات، والمشاهدات والانطباعات والآراء الشخصية للسيدة هيلاري كلينتون، خلال فترة توليها منصب وزير الخارجية للولايات المتحدة منذ عام 2009 وحتى 2013، ولا يحوي الكتاب أية معلومات سرية كما أُشيع، خاصة ما ذُكر حول تأسيس ما يسمى "الدولة الإسلامية" في سيناء أو في العراق والشام، ودور تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في ذلك، وقد تناولت هذا الموضوع مفصلاً في المقالة السابقة.
الكتاب بين يدي الآن، ولا يوجد فيه ما يستحق الاهتمام أو هذه الضجة والهالة الإعلامية التي أُثيرت حوله، خاصة فيما لو كنا نبحث مثلاً عن أسرار وخفايا في دهاليز صنع السياسة الأمريكية، ولا سيما إذا ما علمنا أن الأعضاء الـ 12 الدائمين لمجلس الأمن الوطني الأمريكي يوقعون على "تعهد بالمحافظة على أسرار الدولة وعدم البوح بها"، وذلك قبل تولي أي منهم المسؤولية، وهو ما يجعلهم من غير المسموح لهم الحديث عن أي أسرار أو محادثات سرية أو غير ذلك، قبل أن تصبح تلك المعلومات متاحة للعامة وفقا لضوابط معقدة حددها قانون حرية المعلومات الصادر عام 1966 والتعديلات والتأكيدات والتكرارات المتعاقبة عليها بهذا الشأن في عهود ريجان وكلينتون ثم أوباما، التي شددت على أهمية الحفاظ على السرية والمسؤولية التامة في حال مخالفة هذا التعهد، وهو الأمر الذي ينطبق على هيلاري بصفتها وزيراً للخارجية الأمريكية، حيث يعد شاغل هذا المنصب أحد الأركان الدائمين لمجلس الأمن الوطني المشار إليه، وهو ما يجعل ذاكرتنا تستدعي ذلك المشهد، وتلك الصورة التي نشرتها الإدارة الأمريكية لأعضاء المجلس وهم ملتئمون حول طاولة وأمامهم كما يبدو شاشة ـــ غير ظاهرة ــــ ويتابعون ــــ بحسب ما ذكرت الإدارة الأمريكية ــــ مشهد "مداهمة أسامة بن لادن"، الذي وصفته كلينتون في كتابها بأنه "واحدة من الصور الأكثر شهرة، واللحظات الأكثر دراماتيكية".
الكتاب إذن لا يحوي أسرارا أو معلومات فريدة ذات قيمة مرتفعة، بل يبدو على الأرجح ذا أهداف تجارية ودعائية أكثر من أي شيء آخر، إلا أنه لا يخلو من بعض الانطباعات والآراء العامة للسيدة كلينتون التي قد تكون ذات دلالة للمختصين والمهتمين، بما في ذلك تفاصيل بعض زياراتها المعلنة واتصالاتها ــــ غير السرية ــــ مع الساسة وصناع القرار بل حتى "الناشطين" حول العالم.
قسمت كلينتون كتابها إلى ستة أجزاء، ووضعت عنواناً لكل جزء، فبدأت بسرد تفاصيل ما سمته "بداية طازجة" أوA FRESH START لتتحدث حول "بدايتها من جديد" بعد خسارتها بطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في الانتخابات الداخلية للحزب أمام منافسها أوباما، حيث طلب منها هذا الأخير الانضمام إلى فريقه، ولتشغل فيما بعد منصب وزير الخارجية إثر فوزه برئاسة الدولة.
كما احتوى هذا الجزء على مقدمة حول عملها في الخارجية الأمريكية، التي رمزت لها بالرمز المستخدم للدلالة على وزارة الخارجية الأمريكية: Foggy Bottom، وما أطلقت عليه "القوة الذكية" Smart Power في إشارة إلى العمل الدبلوماسي الأمريكي.
أما الجزء الثاني فقد خصصته حول آسيا وخاصة الصين وميانمار، فيما وضعت عنوان "الحرب والسلام" للحديث عن أفغانستان وباكستان والقاعدة وطالبان وهو ما أفردت له الجزء الثالث، في حين حمل الجزء الرابع عنواناً ذا تطلع للمستقبل سمته "بين الأمل والتاريخ" خصصته لأوروبا، وروسيا، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا.
وقد كان "الطريق الصخري للسلام" هو العنوان الذي اختارته للجزء الخامس المخصص للشرق الأوسط، حيث تناولت المشهد العام للقضية الفلسطينية الإسرائيلية من منظورها الشخصي، التي تعكس وجهة نظر الإدارة الأمريكية حول مشروع السلام المتمثل فيما تعارف عليه بـ "مشروع حل الدولتين"، ولم يخل هذا الجزء من حديث عن زياراتها الشخصية المتكررة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، وعلاقاتها الشخصية الودية بشخصيات وقيادات إسرائيلية بارزة، وصولاً للنشطاء الإسرائيليين. كما تناول هذا الجزء أحداث الربيع العربي ابتداء من تونس فمصر، وخصصت فصلاً خاصاً بليبيا بالعموم، وآخر لمدينة بنغازي وحدها، وحادثة مقتل السفير الأمريكي هناك، فيما وضعت لكل من سورية وإيران وغزة فصلا مستقلا عن الآخر ليصبح هذا الجزء هو الأكبر في الكتاب بما احتواه من فصول ستة، إلا أنه لم يحو أية معلومات جديدة أو فريدة حول هذه المواضيع المهمة والحساسة التي امتدت آثارها للعالم أجمع، ولم تقتصر فقط على منطقة الشرق الأوسط.
أما الجزء السادس فقد سمته: "المستقبل الذي نريد"، حيث تحدثت فيه عن التغير المناخي للعالم، وظاهرة الاحتباس الحراري، وعن الوظائف والطاقة والاقتصاد، كما أفردت فصلاً عن الكوارث الطبيعية والتنمية في هاييتي، أما ما أعتبره مميزاً في الكتاب فهو الفصل الرابع من الجزء الأخير من الكتاب الذي عنونته بـ "فن الحكم في القرن الحادي والعشرين: الدبلوماسية الرقمية في العالم الشبكي" أوDigital Diplomacy in a Networked world، أما الفصل الأخير فقد رفع شعار"حقوق الإنسان: العمل غير المكتمل"، فالخاتمة التي لا تختلف كثيراً عن خواتم مذكرات المشاهير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي