أداء الوزراء في ميزان مجلس الشورى

تقتضي أهمية المرحلة التنموية الراهنة من حياتنا ومصيرنا المشترك، نمطا آخر أكثر ديناميكية وحيوية، يأخذ بعين الاعتبار في مقدّمة أولوياته رفع كفاءة الأداء، وحُسْن إدارة واستغلال الموارد المالية الهائلة المتوافرة. لقد تعددت أوجه القصور في أداء الكثير من الوزارات والأجهزة الحكومية، وبعضها وصل إلى درجات لم يعد حتى يجدي إقالة أو إعفاء مسؤوليها، واللافت جدا أن هذا يحدث مقابل الزيادة غير المسبوقة في إجمالي كل من الإيرادات والمصروفات العامة، اللتين بلغتا خلال العقد الماضي 8.12 تريليون ريال كإيرادات ونحو 5.9 تريليون ريال كمصروفات، تولد تحتهما خلال الفترة نفسها نحو 27.8 ألف مشروع حكومي، بقيمة إجمالية فاقت تريليوني ريال، أحدث التأخر أو التعطل عن تنفيذها "فجوة تنموية" يقدر بلوغ قيمتها بأكثر من 1.3 تريليون ريال!
أحدث الكثير من الإجراءات، وأصدر العديد من القرارات لأجل مواجهة تلك التحديات الجسيمة، ولكن دون جدوى حتى تاريخه، فما زالت دائرة "الفجوة التنموية" تتسع عاما بعد عام، حتى وصلت إلى حجمها الخطير الراهن! لا بد من بذل الكثير من الجهود، ولا بد من استمرارها حتى نصل جميعا إلى درجة مقبولة من الأداء والرقابة، تلبي على أقل تقدير الحدود الدنيا من درجات الكفاءة، والتطلع المشروع لاحقا إلى تحسن تلك الدرجة من الكفاءة مع استمرار التدرج الصاعد في الأداء والرقابة على حدٍّ سواء. ولا أظن أحدا يقبل باستمرار اتساع تلك "الفجوة" من تأخر وقصور الأداء، التي هي أولا وآخرا تأتي على حساب مقدرات وموارد بلادنا ومجتمعنا.
لعل مما ينظر إليه في الوقت الراهن على أنه إحدى وسائل تحسين جودة الأداء الحكومي، وزيادة الرقابة على أداء القائمين عليه، كوسيلة إضافية أخرى تضاف إلى ما هو قائم في الوقت الراهن من أدوات وسياسات، أن تزيد فعالية رقابة ومتابعة مجلس الشورى على أداء مختلف الأجهزة الحكومية التنفيذية، وأن يتشكل لها "مؤشر قياس أداء" يكون بمثابة ميزان يحتكم إليه في إطار تقييم أداء الوزراء والمسؤولين القائمين على تلك الأجهزة، ترفع نتائجه السنوية إلى المقام السامي، ليتم اتخاذ ما يتطلبه الأمر من قرارات لازمة حسب كل حالة، وأن تتم كل فقرات تلك الآلية من العلاقة بين المجلس وأجهزة الحكومة تحت نظر مختلف وسائل الإعلام المحلية، ليطلع عليها ويتابعها بصورة دقيقة مختلف أفراد المجتمع حسب فئاتهم وشرائحهم. كيف يمكن حدوث ذلك؟!
في الوقت الراهن؛ يحدث من فترة إلى فترة أخرى أن يجتمع بعض الوزراء مع أعضاء مجلس الشورى بطلب من الأخير، وتكون تلك الفترات الزمنية متباعدة في أحيان كثيرة. على أنه في الغالب، يستقطع الوزير الجزء الأكبر من الوقت المخصص لأي من تلك الاجتماعات تحت قبة المجلس، فيما يبقى جزء غير كاف لأعضاء المجلس لمناقشة الوزير والاستفسار منه حول العديد من القضايا والتحديات المتعلقة بعمل ومهام ومسؤوليات الوزارة التي يمثلها، أقول على الرغم من كل ذلك؛ إلا أن تلك الاجتماعات "المتقطعة زمنيا" تعد من أهم الأحداث والأعمال التي تتم في مجلس الشورى. في جانب آخر، يضطلع المجلس وفقا للمادة الـ 15 من نظامه، بمناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها، إضافة إلى مناقشته للخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها.
هل كل هذا يوفي بمتطلبات المرحلة الراهنة؟ هل يوفر على أقل تقدير الحد المقبول من الرقابة والمتابعة لما يتم إنجازه وما لم يتم إنجازه من قبل الأجهزة التنفيذية، ممثلا في الوزارات والهيئات وبقية الأجهزة الحكومية؟ وما تلك المتطلبات التنموية خلال المرحلة الراهنة، التي تستدعي إعادة النظر في آليات مواجهة أعبائها ومسؤولياتها؟ وهل أثمرت الآلية الراهنة للعلاقة بين الوزراء والمسؤولين في الأجهزة التنفيذية من جهة، ومن جهة أخرى أعضاء مجلس الشورى، في مواجهة تلك المتطلبات التنموية التي ترتبط بمعيشة واحتياجات المواطنين والمواطنات، أقول هل أثمرت عن تقدم حقيقي في هذا الاتجاه؟
لست أبالغ بالقول إن نتائج أداء كلا الطرفين "المجلس، أجهزة الحكومة" عموما أتت أدنى بكثير من الدرجة الدنيا لتلبية "احتياجات" المواطنين والمواطنات! دع عنك "تطلعات" أفراد المجتمع على مختلف فئاتهم وشرائحهم، وكيف لها أن تصل إلى سقف تطلعات أفراد المجتمع، وهو السقف الأعلى من سقف احتياجاتهم، وهي النتيجة التي يؤكدها تفاقم حجم "الفجوة التنموية" المشار إليها أعلاه، بما تتجاوز قيمته 1.3 تريليون ريال خلال عقد زمني مضى. وعليه ستكون الآلية المقترحة هنا عبر زيادة فعالية رقابة مجلس الشورى على أداء مختلف الأجهزة الحكومية التنفيذية، ورفع الصورة كاملة إلى المقام السامي، إضافةً إلى نقلها بموضوعية وحيادية عبر الإعلام المحلي إلى عموم المواطنين، أؤكد أن تحقيقها يمثل مطلبا ملحا وحيويا في هذه المرحلة المفصلية من حياتنا، يؤمل معها الدفع بمعطيات التنمية المستدامة خطوات أكبر وأعمق في اتجاه المستقبل، وكونها خطوات أقوى في مواجهة التحديات المتعاظمة في طريق الجيل الحالي والأجيال المقبلة.
تقوم الآلية المقترحة، على أن يتم تخصيص كامل وقت مجلس الشورى خلال الشهر الأخير "قبل موعد صدور الميزانية" من كل عام مالي، لمناقشة كل وزير أو المسؤول الأول بصورة تفصيلية حول أداء وزارته أو جهازه الذي يتولى رأس هرمه خلال العام المنصرم، وأن يبين الوزير أو المسؤول للمجلس برامجه المستقبلية، وما سيتم تنفيذه وإنجازه خلال العام المالي المقبل، على أن يناقشه المجلس في نهاية العام المقبل حول ما تم بخصوص تلك الوعود والمشاريع المرتقبة التي صرح بها الوزير أو المسؤول، ومن ثم الرفع بنتائج تلك الاجتماعات المنظمة والتفصيلية إلى المقام السامي، التي ستكون مرافقة وقت رفعها لموعد صدور الميزانية العامة للدولة، لتوفر لصانع القرار الأول الصورة كاملة حول أداء مختلف الأجهزة الحكومية. وحتى تكون لتلك الاجتماعات السنوية المقترحة فاعلية أكبر، وإشراك للمواطنين فيما يجري على الأرض، يتطلب الأمر أن تتم وتجرى تحت مشاركة وتغطية وسائل الإعلام المحلية كافة، التي بدورها ستنقل بموضوعية تفاصيل تلك الاجتماعات إلى الرأي العام وأفراد المجتمع، لتأخذ دورها وموقعها الحقيقي من الحوار المجتمعي على بينة من الأمر، ودون الانجراف وراء الشائعات المختلقة، التي أدت كما شهدنا طوال الأعوام السابقة إلى خلق الكثير من السلبيات، كان بالإمكان الحد منها وتجاوزها بسلام، لو أن مساحة الشفافية امتدت كما أتصور هنا لتقطع أجزاء كبيرة من طريق تلك السلبيات والواقفين وراءها. فهل نرى قريبا ميزان مجلس الشورى الذي يقيس أداء الوزراء، لنرى على أثره ميزانا دقيقا لأي قرارات يمكن أن تصدر، وميزانا آخر أكثر عدالة ومشاركة لمختلف أفراد المجتمع؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي