النفط الصخري .. هل هو «ظاهرة أمريكية»؟

هناك من يعتقد أن ما يسمى النفط الصخري، الذي بدأ إنتاجه أخيراً في الولايات المتحدة، مِنحة إلهية لبني البشر، تعويضاً لهم عما استهلكوه من النفوط التقليدية ذات التكلفة الرخيصة التي أسرفوا في استخدامها واستنزافها، ما أدى إلى قرب نضوبها ونفادها. وأنه سيلبي جميع متطلباتهم الطاقوية لعشرات السنين. وهذا كله نتيجة للدعايات التجارية والتخمينات غير المنطقية التي صاحبت ظهور النفط الصخري والغاز الصخري. حتى أن البعض من هول الزوبعة الإعلامية التي صاحبت ظهور ''الصخري''، وصفه بالاكتشاف الجديد والمثير ووصفوا عملية إنتاجه المكلِفة بالتقنية الجديدة الفريدة. وقالوا عنه ''ثورة النفط الصخري''. وإحقاقًا للحق، فهي فعلاً إضافة مهمة إلى مصادر الطاقة التقليدية وثورة حقيقية في الإنتاج النفطي، ولكنها فقط داخل الولايات المتحدة.
ومن أغرب ما قرأت أخيرًا حول الموضوع مقالاً لأحد الكتاب الغربيين يتنبأ بهبوط أسعار النفط إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل بسبب وفرة الغاز الصخري، كما يعتقد. وهذا في رأينا من شواذ الآراء التي تُطرَح هذه الأيام كرد فعل لإنتاج النفط والغاز الصخري. والذين يظنون أن النفط الصخري سيزاحم نفطنا ويستولي على جزء من حصتنا في السوق النفطية لا يدركون أن الإسراف في الإنتاج الذي نحن نمارسه اليوم ستكون له عواقب وخيمة علينا وعلى أجيالنا القادمة أكبر بكثير من تهديد النفط الصخري أو أي مصدر آخر لإنتاجنا. وهناك من يرون، ومحدثكم من ضمنهم، أن إنتاج الصخري مهما بلغت كميته سيساعد على تهدئة الضغوط التي تجبرنا على رفع مستوى إنتاجنا فوق حاجتنا ويؤدي إلى سرعة استنزاف مخزوننا النفطي. فبدلاً من الاهتمام الزائد بمتابعة المصادر المنافسة، دعونا نعود إلى محاسبة أنفسنا ونتمعن في قراراتنا، وسنجد أن اعتمادنا الكلي على دخل النفط يمثل أكثر وأخطر ضرر على مستقبلنا ومستقبل ثرواتنا النفطية ونصيب أجيالنا، وليست المصادر الصخرية الجديدة ولا غيرها من مصادر الطاقة. فلا نتخيل شعبا على وجه الأرض، خارج منطقة الخليج، يضع مستقبله في سلة واحدة، معروف سلفاً نهايتها، وهو اعتماد دول الخليج المطلق على دخل الإنتاج النفطي في جميع شؤون حياتهم.
وإنتاج النفط الصخري في أمريكا ليس وليد المصادفة ولا هو نتيجة مباشرة لاكتشاف وظهور تكنولوجيا جديدة. فالمادة معروفة ووجودها مُثبَت منذ عقود طويلة. وعملية التكسير الهيدروليكي المستخدم في عمليات الحفر وتكنولوجيا الحفر الأفقي، كلها كانت تمارس بنجاح قبل عشرات السنين. ولو ظلت أسعار برميل النفط عند أو أدنى من ستين دولاراً إلى ما شاء الله، لما سمعنا عن شيء اسمه النفط الصخري. ولظل هذا النوع من النفوط قابعاً في مكامنه الصماء في أعماق الأرض حتى تقوم الساعة، أو يرتفع السعر إلى ما فوق مستوى تكلِفة إنتاجه اقتصاديًّا في أمريكا ذاتها، التي تراوح بين 60 و 80 دولارًا للبرميل، بحيث يصبح مربحًا نسبيًّا. وهذا هو بالفعل ما حصل، عندما تجاوز السعر العالمي للنفط 100 دولار. مع إعادة التأكيد على أن تكلِفة إنتاج النفط الصخري الحالية هي ''خصوصية'' أمريكية لأسباب سنأتي على ذكرها لاحقًا. أو كما سماها ليناردو موقيري، ''ظاهرة'' أمريكية. فمن المؤكد أن تكلِفة الصخري خارج أمريكا الشمالية، على افتراض تساوي الخصائص الجيولوجية وكمية الإنتاج، ستبلغ أكثر من الضعف، مما لا يسمح بإنتاجه اقتصاديًّا. أما كون إنتاج النفط الصخري في الوقت الحاضر خصوصية أمريكية، فذلك عائد إلى وفرة وسائل وأجهزة الحفر والتكسير الهيدرولوكي والأيدي العاملة المدرَّبَة بأعداد وكميات فائضة عن متطلبات إنتاج النفط التقليدي. وكذلك توافر الاستثمارات المالية الجاهزة، ما ساعد على خلق مناخ تنافسي شديد لصالح شركات الإنتاج. ومثل هذا الوضع لا يتوافر في أي دولة أخرى خارج قارة أمريكا الشمالية. ومن المعروف أن عمليات إنتاج النفط الصخري والغاز الصخري تتميز بضآلة معدل الكمية المُنتجَة وقصر عمر بئر الإنتاج الاقتصادي الذي لا يتجاوز الثلاث سنوات. ما يتطلب الإبقاء على عدد كبير من أجهزة الحفر ومعدات التكسير لمواصلة حفر آبار جديدة فقط من أجل المحافظة على مستوى الكمية المطلوبة من الإنتاج، الذي ينخفض سنويًّا بنسبة لا تقل عن 40 في المائة. فقد حاولت شركة إكسون الأمريكية إمكانية الاستثمار في الغاز الصخري في بولندا، الذي يعتبر أقرب إلى إمكانية إنتاجه من النفط الصخري، فوجدت بعد عدة تجارب ودراسات أن إنتاجه غير مجد اقتصاديًّا وانسحبت كليًّا من المشروع. ولا تزال هناك في بولندا شركات كندية صغيرة تجرب حظها في إنتاج الغاز. ولكن من المؤكد أنها لن تستطيع أن تغيِّر المعادلة الاقتصادية التي جربتها ''إكسون''.
وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أن الدعاية الاستثمارية الأمريكية لعبت دوراً كبيرًا في إظهار إنتاج النفط الصخري على أنه قابل للتكرار خارج الأراضي الأمريكية، أو هكذا فهم الكثيرون. مع أن الوضع الاستثماري وتوافر الآلات والأجهزة ومعدات الحفر والعمالة المدربة والمتخصصة لا تتوافر في أي مكان في العالم مثل وجودها في أمريكا نفسها. وهو ما يعني أن استيرادها من أمريكا سيرفع من تكلفتها، ربما أكثر حتى من الضعف. وهو ما لا يمكن قبوله عند مستوى الأسعار النفطية الحالية. وقد يكون من الممكن إنتاج النفط الصخري في المستقبل خارج الولايات المتحدة، إذا تجاوز سعر برميل النفط 150 دولاراً فما فوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي