أما آن الأوان لإعادة هيكلة وزارة المالية؟

لا توجد وزارة في السعودية محملة بـ ''تركة'' هائلة من الإدارات والمؤسسات والصناديق مثل وزارة المالية، فما بالك إذا كانت هذه الوزارة بيدها ''مقاليد'' إعداد ميزانية الدولة، وصرف أموالها، وتحصيل إيراداتها، مما يخولها التدخل والتحكم في مصائر بقية الوزارات من خلال أكثر من 20 نظاما ولائحة!
إن الحاجة الآن تتزايد إلى إعادة هيكلة وزارة المالية ــــ بعد 90 عاما من إنشائها ــــ لإكسابها الرشاقة الإدارية والمالية التي تخفف الأعباء عن كاهلها وكواهل غيرها.
فالشواهد في ذلك كثيرة، ولنأخذ منها، ما ورد في ''الاقتصادية'' ــــ عبر تقرير المحرر صالح الحيدر ــــ حيث ُينقل عن مصادر مطلعة أن الدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة خاطب الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية مطالبا إياه بالإسراع في فسح الأدوية للمستشفيات من الموردين في الخارج بعد رفض المنافذ الجمركية في الموانئ السعودية دخولها ما لم يكن شعار الجهة المستفيدة مطبوعا عليها من قبل الشركة الأجنبية الموردة للدواء، علما أن وزارة المالية ــــ ممثلة في الجمارك ــــ كانت قد أصدرت قرارا حديثا يلزم المستشفيات والجهات الطبية بمخاطبة الشركات الموردة للدواء بوضع شعار الجهة التي ستستقبل الدواء، الأمر الذي أدى إلى نقص واضح في بعض نوعيات الأدوية المهمة في مؤسسات طبية كبرى.
كما أن ''الاقتصادية'' ــــ عبر تقرير محررها متعب الروقي ــــ تكشف لنا أن المهندس وليد أبو خالد وكيل وزارة التجارة والصناعة لشؤون الصناعة اعترف بأن وزارته تواجه صعوبات في حماية المنتج الوطني، مشيرا إلى أن السوق السعودية تعج بكثير من المنتجات المستوردة ذات الجودة الرديئة وبأسعار أقل بكثير من المنتج الوطني الذي يفوقه جودة، مبينا أن وزارته غير مسؤولة عن رقابة الواردات التي تدخل إلى السوق السعودية عبر المنافذ المختلفة، موضحا أن ذلك الأمر يعتبر من مهام مصلحة الجمارك ''المرتبطة بوزارة المالية''، وأن دور وزارته يقتصر على رقابة السلع في الأسواق المحلية ومتابعة الشكاوى الواردة من المستهلكين.
إن وزارة ''المالية'' ــــ هذا الكيان الضخم ــــ تشرف بشكل مباشر وغير مباشر على خليط غريب وغير متجانس من الإدارات والكيانات بدءا من ''إدارة كهرباء الناصرية''، إلى فنادق إنتركونتننتال، مرورا بمؤسسة النقد العربي السعودي، والصندوق السعودي للتنمية، والمؤسسة العامة للتقاعد، ومصلحة الجمارك، ومصلحة الزكاة والدخل، والبنك السعودي للتسليف والادخار، وصندوق التنمية الصناعية السعودي، وصندوق التنمية الزراعية، وصندوق الاستثمارات العامة.
بل أن الوزارة كانت تهيمن في السابق على معهد الإدارة العامة ومصلحة الإحصاءات العامة، مما دفع الحكومة بتوصية من وزير المالية الأسبق سليمان السليم إلى فصلهما عن الوزارة قبل 20 عاما، واضعين كل منهما في موضعه الصحيح، حيث ارتبط المعهد إداريا بوزير الخدمة المدنية، فيما ارتبطت المصلحة ــــ التي سميت فيما بعد بـ ''مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات'' ــــ ارتباطا إداريا بوزير الاقتصاد والتخطيط.
في الحقيقة، لقد أثقلت الوزارة نفسها بإرث من المؤسسات والأجهزة ''كهرباء وسياحة وأموال!''، فتخيلوا أن المؤسسة العامة للتقاعد تتبع لوزارة المالية، ولا تتبع لوزارة الخدمة المدنية، كما هو الحال مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تتبع لوزارة العمل، وتخيلوا أن صندوق التنمية الزراعية يتبع لوزارة المالية ولا يتبع لوزارة الزراعة، وتخيلوا أن صندوق التنمية الصناعية السعودي يتبع لوزارة المالية ولا يتبع لوزارة التجارة والصناعة.
وبما أننا نشهد إصلاحا إداريا وتنظيميا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ رعاه الله ــــ فإننا نتساءل إن كان قد آن الأوان لتفكيك وزارة ''المالية''، وتحريرها من إرث الماضي، مقترحين على مقام مجلس الوزراء السعودي إعادة هيكلة الوزارة، لرفع كفاءة الأداء الحكومي، وتذليلا للعقبات التي تعترض الأجهزة الحكومية الأخرى، ولتكن بداية مشروع إعادة ''الهيكلة'' من فصل مصلحة الجمارك عن وزارة المالية وربطها بوزارة التجارة والصناعة، مما يسهم في تعزيز الرقابة على ''الواردات'' عبر المنافذ المختلفة قبل دخولها إلى السوق السعودية، بصورة تمكن وزارة التجارة من تحقيق تكامل في دورها الرقابي على السلع في الأسواق المحلية وفي المنافذ، وبالتالي حماية المستهلكين، والحد من دخول البضائع الرديئة، ومحاسبة مورديها.
وعلاوة على ما سبق، نقترح أيضا على مقام المجلس إعادة هيكلة وزارة المالية من خلال المبادرات التالية:
ـــــ فصل المؤسسة العامة للتقاعد عن وزارة المالية وربطها بوزارة الخدمة المدنية، إذ إن هناك ضرورة للتكامل الإداري والمالي والمعلوماتي بين وزارة الخدمة التي تعنى بموظفي القطاع الحكومي وبين المؤسسة التي تعنى بمتقاعدي القطاع.
ـــــ فصل صندوق التنمية الزراعية عن وزارة المالية وربطه بوزارة الزراعة.
ـــــ فصل صندوق التنمية الصناعية السعودي عن وزارة المالية وربطه بوزارة التجارة والصناعة.
ـــــ فصل البنك السعودي للتسليف والادخار عن وزارة المالية وربطه إما بوزارة التجارة والصناعة لدعم رواد الأعمال أو بوزارة الشؤون الاجتماعية من خلال إبقاء البنك على وضعه الحالي أو دمج البنك مع الصندوق الخيري الاجتماعي لتكوين ''صندوق'' أكبر تتوحد فيه الجهود والأهداف.
ـــــ فصل ''إدارة كهرباء الناصرية'' عن وزارة المالية وإلحاقها بشركة الكهرباء، ''موظفوها وعمالها لا علاقة لهم بشركة الكهرباء، ولهم ''سلم رواتب حكومي مستقل'' عن سلم رواتب الموظفين العام وعن بقية سلالم الرواتب الحكومية!''.
ـــــ خصخصة ''الفنادق والقاعات'' التي تشرف عليها وزارة المالية، وتجميعها تحت مظلة شركة سياحية ''لا ترتبط بالمالية'' تطرح للاكتتاب العام، وتدار بما يضمن كفاءة التشغيل.
إننا حين ننظر إلى هذه ''الإمبراطورية'' المسماة بـ ''وزارة المالية''، نتيقن أن كياناتها وأنظمتها وإجراءاتها تسببت في خنق الوزارات الأخرى، فالكثير من ''الوزراء'' لم يحالفهم النجاح، لأنهم حملوا ''أوزارا'' كانت المالية السبب فيها!
لذا، أتمنى من مجلس الوزراء السعودي، ومن اللجنة العليا للتنظيم الإداري، النظر في المقترحات المطروحة في هذا المقال لإعادة هيكلة وزارة المالية، فقد آن الأوان لاتخاذ تلك المبادرات، إنقاذا للقطاع الحكومي، وتحريرا للوزارة من تركة إدارية متضخمة حملتها في الماضي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي