Author

الإنسانية.. بين صورة المريض وصورة الأشعة

|
إذا فقد الإنسان إنسانيته، فقد كل شيء... تعصف بنا هذه الحياة، تأخذنا يمنة ويسرة، تطحننا في دوامة من الركض واللهاث، وفي أثناء ذلك الضجيج، تتسرب الإنسانية من بين مسامات قلوبنا ونتحول إلى تروس في آلات ضخمة تعمل دون توقف من دون هدف ولا روح. أطباء الأشعة من أقل الأطباء احتكاكا بالمرضى، ذلك أن الصورة النمطية لهم أنهم يجلسون في غرف مظلمة يقرؤون أشعات المرضى، ومع الوقت، تتحول هذه الأشعة التي أمام هذا الطبيب من قصة إنسان يحتاج إلى تشخيص ينتظره قد يغير مجرى حياته إلى الأبد إلى صورة على فيلم لا تحمل الكثير من المعنى. طبيب الأشعة ''هونتان تيرنر'' قرر أن يقوم بتجربة بسيطة. من خلال دراسة على عدد كبير من أطباء الأشعة قرر أن يضيف خدمة إظهار صورة المريض عندما يراجع طبيب الأشعة صور الأشعة المتعلقة بهذا المريض، وطلب من جميع أطباء الأشعة في قسمه أن ينظروا في صورة المريض بضع ثوان قبل أن يراجعوا صور أشعته. النتائج كانت مذهلة. أولا: شعر الأطباء بمتعة أكبر وتعاطف عال مع المريض بعدما نظروا بضع ثوان إلى صورته الشخصية قبل صور أشعاته، ولكن الأهم من ذلك أن الباحث وجد أن أطباء الأشعة أصبحوا أكثر دقة وأقدر على التقاط التفاصيل المهمة وغير المهمة في الأشعات التي عاينوها مقارنة بهم عندما نظروا إلى الأشعات من غير صور المرضى. باختصار، عندما عادت الإنسانية إلى صورة الأشعة أصبح العمل أجمل والدقة أعلى. وتجربة أخرى، الكل يعلم أن نسب انتشار العدوى بين المرضى في المستشفيات عالية جدا و تسبب الكثير من المشكلات وأن أهم سبب لهذه المشكلة هو انتقال الميكروبات بين المرضى عن طريق الممارسين الصحيين من الأطباء والممرضين. في أمريكا وحدها تقدر الخسائر الحادثة في المستشفيات بسبب هذه المشكلة بنحو 40 مليار دولار! ومن المعروف أن أهم وأنجع طريقة لمحاربة ذلك هو ببساطة غسل اليدين عند الانتقال من مريض إلى آخر. ولكن مهما حرصت إدارات المستشفيات على التأكيد على الأطباء والممرضين بضرورة غسل اليدين والتعقيم فإن النسب تتحسن قليلا ثم تسوء مرة أخرى. في مستشفيات جامعة نورث كارولاينا حاولوا أن يواجهوا المشكلة بإعادة الإنسانية والمعني لهذه الممارسة. وضعوا لوحات إرشادية توعوية مختلفة أمام جهاز تعقيم اليدين في ممرات المستشفى كل لوحة في مكان مختلف اللوحة الأولى تقول: ''عقم يديك''، اللوحة الثانية تقول: ''تعقيم اليدين يمنعك من التقاط الأمراض'' والثالثة تقول: ''تعقيم اليدين يمنع إصابة المرضى بالالتهابات ويمكن أن ينقذ حياة مريض''. وبعد دراسات متعددة ومراقبة إحصائية دقيقة وجد أن أكثر لوحة أدت إلى نتائج إيجابية واستجاب لها الممارسون الصحيون بتعقيم اليدين كانت اللوحة الثالثة ثم الثانية ثم الأولى. هذا يعني أن كلمة ''ينقذ حياة مريض'' كانت حتى أهم من كلمة ''يمنعك من التقاط الأمراض''. إن إضافة معنى لعمل روتيني عادي أدى إلى نسب استجابة أعلى بكثير. إن في داخلنا حاجة ماسة وعميقة لأن نشعر بإنسانيتنا ونستحضر المعنى الحقيقي للعمل الذي نقوم به. ونحن عندما نفعل ذلك فإننا لا نشعر بالسعادة والراحة والنشوة فقط وإنما ''بحسب الدراسات أعلاه ومئات غيرها في شتى المجالات'' يتحسن أداؤنا ونتائجنا المادية الملموسة. بقي أن نتأمل مقولة واين داير: ''إن مقياس حياتنا ليس فيما نجمع ولكن فيما نعطي، أن نعيش هذه الحياة بإنسانية عالية فإن ذلك يعني كل شيء''.
إنشرها