Author

من سان فرانسيسكو إلى بحر الصين الجنوبي

|
إن النزاعات على الأراضي والمناطق البحرية بين الصين وتايوان والعديد من بلدان جنوب شرق آسيا تقض مضاجع منطقة بحر الصين الجنوبي وتعكر صفوها، ولا تلوح في الأفق القريب أي احتمالات لحل هذه النزاعات. ولكن الوضع الراهن غير المستقر حالياً قد يكون محتملاً ما دامت كل الأطراف حريصة على بناء الثقة بشكل جاد من خلال المحافل المتعددة الأطراف، وفي الوقت نفسه صيانة قدرة الردع الفعّالة في مواجهة الصين والالتزام بعدم استخدام القوة الهجومية. بطبيعة الحال، تحرص الصين على استبعاد أي تدخل من قِبَل قوى كبرى من خارج المنطقة، خاصة الولايات المتحدة، فتفضل المفاوضات الثنائية مع المطالبين الإقليميين الأضعف، التي يمكنها السيطرة عليهم بسهولة أكبر. بيد أن القوى من خارج المنطقة تستشهد باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ــــ وعلى وجه التحديد حرية الملاحة وحق المرور البريء ــــ لتبرير تدخلها. ولأن نزاعات بحر الصين الجنوبي تنبع من المطالبات المتداخلة ''بمناطق اقتصادية خالصة''، وليس المحيط المفتوح، فإن اتفاقية الأمم المتحدة لا تنطبق عليها بالكامل. ولكن اتفاقية دولية أخرى تقدم لنا بعض الإرشاد والتوجيه في تسوية هذه المنازعات: معاهدة سان فرانسيسكو للسلام، التي دخلت حيز النفاذ في عام 1952 وأنهت الحرب العالمية الثانية رسمياً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. بموجب هذه المعاهدة، تخلت اليابان عن مطالباتها بالسيادة على جزر سبراتلي وباراسيل، ولكن المعاهدة لم تتحدث عن إعادة تخصيص الجزر لأي دولة أخرى بعينها. ونتيجة لهذا فإن هذه الجزر تظل من الناحية القانونية تحت الوصاية الجماعية لـ 48 دولة ''الأطراف الأخرى في المعاهدة'' ـــ بما في ذلك دولتان تطالبان بالجزر، وهما الفلبين وفيتنام. ولكن الصين ــــ التي كانت آنذاك في العام الثالث من حكم ماو تسي تونج ــــ لم تُدع حتى للمشاركة في مؤتمر السلام. ورغم أن الشيوعيين بقيادة ماو انتصروا بوضوح في الحرب الأهلية ونجحوا في تأمين سيطرتهم على البر الرئيسي للصين، فإن منظمي المؤتمر اختلفوا حول أي من الحكومتين ــــ حكومة الصين الشعبية بقيادة ماو في بكين، أو حكومة الصين بقيادة شيانج كاي شيك في تايبيه ــــ تمثل الصين حقا. ونتيجة لهذا فإن الصين الشعبية تنفي التزامها قانوناً بالمعاهدة. لا شك أن معاهدة سان فرانسيسكو ليست ملزمة قانوناً في حد ذاتها للصين الشعبية، ولكن بالنسبة لليابان، فإن الصين الشعبية كانت خلفاً للصين في تايوان بشكل واضح، كما أظهر البيان المشترك بين اليابان والصين الشعبية في عام 1972، والذي على أساسه أبرمت معاهدة السلام والصداقة الثنائية بعد ست سنوات. وعندما حولت اليابان اعترافها الدبلوماسي من الصين إلى الصين الشعبية، فإنها اعترفت بالأخيرة بوصفها ''الحكومة الشرعية الوحيدة للصين''. ولأن اليابان لم تكن بذلك تعترف بالصين باعتبارها دولة جديدة ــــ فالاعتراف الدولي بالدولة الصينية ظل قائماً دون انقطاع منذ ظهرت حكومة الصين في عام 1912 ــ فإن هذا يعني أن الصين الشعبية قَبِلَت عملياً حقوق والتزامات الحكومة السابقة. وعلاوة على ذلك، فإن اليابان لم تعترف بتايوان جزءاً من الصين، على أساس أن مثل هذا الاعتراف من شأنه أن يشكل خرقاً لالتزاماتها بموجب معاهدة سان فرانسيسكو. ورغم أن اليابان ''تتفهم'' بشكل كامل و''تحترم'' إعلان الصين الشعبية بأن تايوان جزء ''لا يتجزأ'' من أراضيها، فإنها لم تعترف بهذه المطالبة وفقاً للقانون الدولي. وقد اتفق البلدان ببساطة على الاختلاف حول وضع تايون القانوني. وبعبارة أخرى، فإن اليابان تنازلت عن تايوان من دون إعادة تعيينها. وحتى يومنا هذا، التزمت اليابان الصمت بشأن الآثار المترتبة على معاهدة سان فرانسيسكو فيما يتصل بمطالباتها في بحر الصين الجنوبي. وقد يعكس هذا ببساطة قلة الخبرة القانونية الدولية في هذا المجال، ولكنه قد ينبع أيضاً من المخاوف من أن يكون استخدام التعليل القانوني الوارد في المعاهدة، الذي يتعارض مع موقف الصين بشأن تايوان، لحل المنازعات الحدودية اليوم، سبباً في تقويض مصداقيتها وإضعاف موقفها. وإذا تُرِكَت المنازعات في بحر الصين الجنوبي بلا حل فقد تستغلها الصين لاكتساب الهيمنة الفعلية على الجهات المطالبة الأضعف. والواقع أن كل أطراف المنازعات، بما في ذلك الصين، بوسعها أن تستشهد بصلات جغرافية وتاريخية تربطها بالجزر في دعم مطالباتها، ولكنّ أياً من هذه الأطراف لا يملك سنداً قانونياً متيناً بموجب معاهدة سان فرانسيسكو. ينبغي للولايات المتحدة وغيرها من القوى الإقليمية من خارج المنطقة أن تغتنم الفرصة التي توفرها هذه الحقيقة، فتستدعي وصايتها الجماعية على جزر سبراتلي وباراسيل، وفقاً لمعاهدة سان فرانسيسكو، لتدويل العمليات الدبلوماسية الثنائية بين الصين والجهات المطالبة الإقليمية، بل إن أطراف المعاهدة بوسعها حتى أن تعقد مؤتمراً للتداول بشأن هذا الأمر، ولأنها ستستبعد الصين، فإن هذه المناقشة وحدها كفيلة بتغيير قواعد اللعبة بالكامل.
إنشرها