إشكالية توزيع الإسكان

ذكر وزير الإسكان أن آلية توزيع إسكان مشروع ''أرض وقرض'' في اللمسات الأخيرة، وأن التوزيع ستراعى فيه العدالة وتفادي تحميل هذه المشاريع ''وصمة'' اجتماعية انعزالية، بما تحمل من أضرار تراكمية من ناحية وتحقيق الغرض الأساس من هذه المشاريع في مساعدة المحتاجين من ناحية أخرى، هناك تجاذب بين هذه الاستحقاقات، تحاول آلية التوزيع إيجاد الوسط المناسب. قبل الدخول في تفاصيل التوزيع لا بد من التنويه بتغيير الوزارة من الإنشاء إلى دور السياسات وتوفير الأرض والتطوير والتمويل. مشكلة التوزيع مرتبطة اقتصادياً بإيجاد التوازن الصحيح بين الفعالية ''تفادي عيوب الإسكان العام وتوفير السكن لمن يستطيع تملكه والحفاظ عليه في وضعية مستدامة''، والعدالة ''مساعدة الكثير ممن ليس لديهم دخل يمكنهم من تملك سكن مناسب''. هناك غموض واضح في حديث المسؤولين عن إيجاد التوازن المناسب بين الفعالية والعدالة، مصدر الغموض أن الحل الفني لا يكفي للتعامل مع المشكلة في المدى البعيد.
في الأحوال العادية هذه إشكالية اقتصادية فنية ممكن تخيل أكثر من طريقة للتعامل معها، ولكن كما هي العادة لدينا ــــ الحلول الفنية في الغالب خادعة لأنها جزء من دائرة أوسع. الفعالية هي الأساس في المدى البعيد، ولكن حلول المدى البعيد تتطلب تغييراً جذرياً في السياسات، لا تستطيع وزارة الإسكان أو وزارة البلديات التعامل معه في المدى المنظور، بسبب عدم توافر الصلاحيات في فرض زكاة أو رسم بلدي على الأراضي، أو تغيير عادات الناس، أو الدعم الحكومي للمنافع. فالمملكة تريد التطور دون المرور بحقبة إصلاح الأراضي في محاولة غير مسبوقة. العدالة ''بمعنى توفير سكن مناسب لكل محتاج'' استحقاق ترغب الحكومة فيه بقوة، ولكنها غير قادرة في المديين القصير أو المتوسط ناهيك عن البعيد، لأن التكلفة المالية وسقف توقعات الناس تجعلها مهمة شبه مستحيلة. ارتفاع أسعار الأراضي دون ضوابط في سياسة الإدارة وضعف دخل جزء كبير من موظفي الحكومة يجعل مهمة توفير السكن من خلال طريق الفاعلية أمراً صعباً للغاية. الطريقة الفاعلة هي التي تستطيع إيجاد سوق مرنة قابلة للقياس والتمويل والاستدامة، أخذت الحكومة بخطوات جيدة من الناحيتين التنظيمية والتشريعية، ولكنها لا تكفي في ظل وجود عيوب هيكلية.
ما الحل؟
إذا أرادت الوزارة تفادي إشكالية ''وصمة المكان'' التي في نظري ضرورية فلا بد من قبول طلبات المتقدمين حسب معادلة غير الحاجة الماسة ''سنرجع لها لاحقاً''، لعل الأفضل هو إعطاء فرصة لكل عائلة لديها أطفال بالسحب على أرقام ''يستبعد مَن يملك منزلاً، أو الملي ـــ يعرف الملي من خلال التقصّي المصرفي والعدلي حول أملاكه''، يتم السحب في مجلس الشورى أو تحت إشرافه. التعامل مع الذي في حاجة ماسة يجب أن يكون مختلفاً نوعياً، لعل الأفضل مساعدة هؤلاء في مكان سكنهم على التملك التدريجي لرفع مستوى الحياة العام، خاصة أن هناك هجرة من الأحياء القديمة إلى الجديدة، على الرغم من استثمارات الحكومة في البنية التحتية وتوافر الخدمات. الحل يأتي في مساعدة المحتاج على تجاوز الفقر من خلال تملك السكن، بما في ذلك تعمق الانتماء وتطوير الإنتاجية مجتمعياً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي