Author

حكم فاسد ..

|
إذا قلنا إن الهلال والعروبة والأهلي استفادوا في الجولة الماضية مما يعتقد أنها أخطاء ما في قرارات الحكام، فهذا جزء من المشكلة، لكنه جزء متغير بتبدل الأطراف في الجولات المقبلة، وسيصبح المستفيد متضررا والمتضرر مستفيدا، ولن تنتهي المشكلة، بل لن نصل إلى لُبها ومكمن دائها ودوائها. .. حتى نذهب إلى أبعد من الانتهازية الوقتية تجاه فريق معين، علينا أن نبحث في الحكم السعودي نفسه، وفي تأهيله والظروف المحيطة ببيئة عمله. وما من شك لدي أن أي بيئة عمل تنتهك فيها كرامة العامل لا تستحق البقاء فيها لحظة، بل لا تستحق أن تكون مهنة. الحكم في كرة القدم لدينا هو الرجل الأقل جماهيرية بين مكونات اللعبة الأخرى التي يشترك فيها اللاعب، المدرب، الإداري، والصحافي، والجمهور. والحكم في الكرة السعودية رجل سقطت حرمته بغياب القوانين الحافظة لها، وتحولت مهنته إلى أدنى درجات السلم الوظيفي المفترض مقارنة بدخل الآخرين السابقين. في الكرة السعودية، يتلقى الحكم دراهم معدودات مقابل قيادة أي مباراة، وهو مردود لا يحرض المرء على العمل والتطور ولا يوقد المنافسة، ولا يحض على التمسك بالمهنة والصعود في سلمها. ليس هذا فحسب، بل إن أصغر مشجع في الكرة السعودية، لا يحتاج إلا إلى جهاز هاتف وشحنه بعشرة ريالات ليوجه أقسى التهم والشتائم لحكم ما دون رقيب ولا حسيب، ولو لم تشبع الرسائل الهاتفية شبقه من الشتائم، فقد يتطور الأمر إلى تحطيم سيارة الحكم المستباح ماله وعرضه، كما حدث في مواقف ماضية، وسيذهب المعتدي إلى ساحات التواصل الاجتماعي يوزع صور فعلته، والنشوة تسكنه، وسيجد من يناصره ويدعمه. في مواسم سابقة، وخلال مؤتمر صحافي تلا إحدى المباريات، سُئل مدرب ليفربول: ما رأيك في قرار الحكم؟ لم يجب المدرب بكلمة، بل أنزل نظارته إلى أرنبة أنفه وأعادها مرة أخرى، وابتسم، في إشارة إلى أن الحكم يومها كان يرى ما يريد ويعرض عما لا يريد. بعد المؤتمر صدر القرار بوقف المدرب. إنه القانون الصارم، الذي يسود به الاحترام ويمنع المساس بكرامة الناس تلميحا أو تصريحا. بعيدا عن الكرة، فإن القضاء المستقل العادل في المجتمعات، هو أول لبنات المجتمع المتحضر، الذي يحفظ كرامة الناس ويساوي بينهم، ويوجد معايير واضحة للتفوق تغلق أي تسلل محتمل، وتكفل للناس مشاركة حقيقية في الأرض وما حوت. التحكيم في كرة القدم هو القضاء، والحكم قاضي اللعبة، وما لم تحدث المؤسسة الرياضية مشروعا نهضويا واضحا يستهدف تطوير قاضي اللعبة وتفعيل القانون له وعليه، وإعادة كرامته وهيبته أمام الآخرين، فإن تهم الفساد والتعمد ستسمر، وإن تغيرت الأطراف في كل مرة. الحماس والروح الظاهرتان على رئيس لجنة الحكام في الموسمين الماضيين، يصب في خانة الاجتهاد الفردي، وهو مسلك لا يمكن أن يطور الحكم السعودي، ما لم تكن قوانين الحماية والعقاب واضحة، وما لم يخضع الحكام لتأهيل علمي مدروس، يُستعان فيه بقدرات أجنبية. .. وحتى ذلك الحين، سيجد الحكم الفاسد ممرا للعبور، ولا يمكن لأي متابع أن يطالب بغلق باب التهم الجائرة والفساد المحتمل، بل إن الأجواء الراهنة بيئة مناسبة لنشأة الفساد ونموه، وهل من بيئة أفضل للفساد من غياب القانون، وسقوط الكرامة، وضعف المردود المادي؟

اخر مقالات الكاتب

إنشرها