الراتب بين الزيادة والكفاية

في الأسبوع الماضي انتهينا إلى نتيجتين، الأولى أن رواتب السعوديين لا تكفيهم ولا تلبي احتياجاتهم، والنتيجة الأخرى هي أن علاج هذه الظاهرة يتم عبر علاج مسبباتها وليس علاج الظاهرة نفسها، وبالنتيجة فعلاج مشكلة الراتب لا تتم بالزيادة، وسنذكر هنا الأسباب المنطقية لهذا.
لو صدر قرار بزيادة الرواتب للضعف أو الضعفين، وأصبح من يتقاضى خمسة آلاف ريال كراتب يتقاضى عشرة آلاف ريال، سيكون رد الفعل الطبيعي والمنطقي من الطرفين - التاجر والمستهلك - كالآتي: سيلبي جزء من هذه الزيادة بعض الاحتياجات الأساسية للمستهلك مباشرة بعد قرار الزيادة، وسيبدأ الموردون والتجار في رفع أسعار السلع تدريجيا، وفي ظل فترة لا تتجاوز الخمس سنوات سترتفع الأسعار ٥٠ في المائة لأن أي زيادة في المعروض النقدي ستقابلها زيادة في الأسعار لاستيعاب الزيادة في المعروض النقدي ثم نعود للمشكلة نفسها من جديد.
السبب الآخر، هو سلوكنا في إدارة المال، فلو أخذنا عينة عشوائية من عشرة مواطنين، يراوح دخلهم الشهري بين سبعة آلاف ريال و١٤ ألف ريال، فإنك لن تجد ذلك الفرق الكبير بينهم لا في مستوى ملبسهم أو وسائل الترفيه التي يستخدمونها، وستجد أن أكثر من نصفهم مدين لأحد البنوك بقرض يفوق المائة ألف ريال ولبطاقة الائتمان بأكثر من ٦٠ في المائة من حدها الائتماني، وكل هذا يفضي إلى أننا لا نعيش بقدر مستوى ملاءتنا المالية، بل معظمنا يعيش بمستويات متقاربة، وهذا يدل على أن هناك خللا كبيرا في سلوكنا الاستهلاكي.
أما سبب ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر وغير منطقي، وأنا أتكلم هنا بمعرفة تامة بسوق التجزئة، فإنه يقع على عاتق الدولة ووزارة التجارة بشكل أساسي، والمصيبة أن ارتفاع الأسعار ينسحب على كل السلع الأساسية من أراض ومواد بناء وغذاء ودواء، وهذا ليس مبررا البتة، فكيف ترتفع أسعار بعض قطع غيار السيارات في المملكة، وتجدها في بعض دول الخليج بتكلفة تقل ٣٠ في المائة عن أسعارها داخل المملكة؟
أما السبب الثاني، فيقع علينا نحن، فلو نظرنا لأكثر دول أوروبا رفاها كالسويد وسويسرا، سنجد أن مستوى دخل كل مواطن ينعكس على سلوكه الاستهلاكي بشكل واضح، وتجد أن القروض، التي يستهلكها المواطن هناك معظمها سكني أو استثماري أو بهدف التعليم، عكسنا تماماً، فتجد أن الكثير منا يقترض للسفر أو شراء سيارة فارهة، هذا عوضا عن استخدامنا الخاطئ لبطاقات الائتمان.
ملخص القول، من يدعي أن زيادة الرواتب ستحل المشكلة فقد جانب الصواب بشكل كبير، الحل يكمن في إعادة هيكلة استراتيجية لوزارة التجارة، تنعكس بشكل رقابي فاعل على السوق، وفي حل مشكلة السكن التي تستهلك قوت المواطن من خلال ارتفاع أسعار الإيجار والأراضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي