المُكاشفة الإلكترونية

مع إشراقة شمس كل يومٍ جديد ، يخرج العامل إلى عمله ، و الطالب إلى مدرسته أو جامعته ، و يواجه كل فردٍ في المجتمع و بشكل يوميّ جوقةً من الوجوه المألوفة التي اعتاد أن يراها بإستمرار ، أو غير المألوفة و التي يراها لأول مرة .من بين هذه الوجوه قد يكون الطبيب ، و المهندس ، و المُعَلِّم ، و موظف البنك ، و موظف شركة الإتصالات ، و شرطيّ المرور ، و عامل المطعم ، و السَبّاك .....الخ ، و قد تنشأ علاقة بين أي فردين من تلك النماذج لأي سببٍ من الأسباب ، لكن قد تكون هذه العلاقة محصورة في نطاق عمل كُلٍّ منهما لعدّة أسباب ، من بينها :
1- إمّا أن يكون اللقاﺀ و التعارف قد تَمّّ بين هذين الشخصين في مقرّ عمل أحدهما.
2- أو لأن العُرف الإجتماعي السائد يُحتّم على أي شخص يُريد أن يُقدّم نفسه لأي شخصٍ آخر أن يبدأ بالتعريف بإسمه ، ثم يذكر مهنته ، أو أن يسأله الطرف الآخر عن مهنته بعد أن عرف اسمه ، لأن المهنة قد تلي الإسم من حيث الأهمية في موضوع التعارف.
و قد يحفظ كل منهما رقم الآخر في الجوال بوضع الإسم مُحاذياً للوظيفة ، فيكون الإسم : فلان بنك كذا ، أو فلان مستشفى كذا ، أو فلان السبّاك ، و على هذا المنوال.
لكن ، المُتَلَمِّس لتأثير التكنولوجيا و قنوات التواصل الحديثة على حياتنا اليومية كالفيس بوك و تويتر و الواتس اب و اليوتيوب ، سيجد أنها أسدلت الستار عن جوانب عديدة في شخصيات من حولنا ، فمن كنتُ أعرف أنه طبيب فقط ، اكتشفتُ الآن و من خلال تلك الوسائل أنه شاعر أيضاً ، و مَن كانت حدود معرفتي به مقتصرة على أنّه موظف بنك ، اكتشفتُ الآن أنّه فنان تشكيلي ، و مَن كنتُ أعرفُ أنّه سبّاك ، اكتشفتُ أنه يُجيد فنّ النَّحت على الصخور.
لاشك أنَّ وسائل الإتصال أسدَت لنا معروفاً عظيماً ، كيف لا ، و هي التي سلَّطت الضوﺀ على الجوانب الإبداعية التي كانت مُظلمة بالنسبة لنا في كثير من الأشخاص مِن حولنا ، و هذا انعكس وزناً على تعاملنا مع المبدعين من حولنا ، فإذا كُنّا نحترم المُعلِّم لكونه مُعَلّماً ، فالآن سيكون احترامنا له مضاعفاً لكونه مُعَلَّماً و كاتباً مرموقاً ، و مَن كان يُقلّل من شأن السبّاك لأنه لا يرى فيه إلا مُجرّد سبّاك ، الآن أصبح مُرغماً على إحترامه لأنه بُهِر بإبداعه في فن النَّحت. فكلمّا تعدّّدت الجوانب الإبداعية و المعرفية لدى الفرد ، كلما زادت قيمته الإجتماعية ، فهي علاقةٌ طرديةٌ ولاشك.
الجدير بالتأمُّل أيضاً ، أن وسائل التواصل الحديثة قد أحدثت نقلة عظيمة حتى على مستوى التلازم الوقتي بين الأفراد ، فإذا كان الفرد يقضي سابقاً ساعة أو ساعتين في اليوم أو اليومين أو الأسبوع مع أقرانه ، أصبح الآن ملازماً لهم طيلة أو معظم أوقات اليوم ، فهناك لقاﺀٌ و مشاركات في الفيس بوك ، و هناك تبادل التغريد و الإطلاع على آخر المستجدات و الأصداﺀ في تويتر ، و هناك الدردشة و السَمَر و تناقل المواضيع عبر الواتس اب.
بقي أن نُشيد حتى بمَن يقوم بالنسخ و اللصق عبر وسائل التواصل الحديث ، فمن خلال عملية النسخ و اللصق تعرفنا على الثقافة الفكرية لهذا الفرد ، و الذائقة الإنتقائية التي يتمتّع بها ، ففي الإختيار سنكتشف شخصية و فكر و ذوق هذا الشخص ، و سنكتشف أيضاً بين جوقة الناسخين أفراداً يبذلون جهداً عظيماً في انتقاﺀ ما يرضي ذائقتهم الرفيعة ، و بالتالي هو أيضاً ما سيتمّ نقله إلى الناس و سيكون ممثّلاً لفكر و ثقافة و ذوق من قام بنسخه و لصقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي