عمل المرأة السعودية.. لنا أمْ علينا؟

نتفق جميعاً على أهمية مشاركة المرأة في مختلف مجالات حياتنا المعاصرة، ونتفق أيضاً على أهمية زيادة تلك المساهمة بفعالية وكفاءة، وأن تحظى المرأة بمحلّها وموقعها المستحق علمياً وعملياً في كافّة المجالات المتاحة أمامها، وبكل تأكيد أننا نتفق جميعاً على أنَّ كل ما تقدّم يجب أن يتحقق بما يتوافق مع المحددات الشرعية والاجتماعية، التي كفلتْ للمرأة حقوقها بغض النظر عن أيّ اعتبارٍ آخر.
الاشتراطات والضوابط التي تستهدف المحافظة على تحقق الأمر الأخير، هو ما لمسناه جميعاً من صدور قرارات وزارة العمل المتعلقة بضوابط تأنيث محال المستلزمات النسائية والاشتراطات الملازمة لها، وغيرها من الضوابط التي تستهدف توفير البيئة المثلى لعمل المرأة السعودية. طبعاً؛ الجميع يجب أن يفرّق بين ما تقتضيه تلك الضوابط والإجراءات من جهة، وبين ما يُنتظر من وزارة العمل ومنشآت القطاع الخاص توفيره كمشاريع توظيف أمام المرأة السعودية، ذلك أن الجزء الأول من المقارنة، لا تتعدّى مجرد كونها أمورا إجرائية واجبة لأجل المحافظة على المرأة من الاختراقات المخالفة للجوانب الشرعية، وما تعارف عليه المجتمع السعودي، والتي بكل تأكيد لا يوجد أية اختلافات حولها بين كافّة الأطراف المعنية. على أن الإشكالية هنا التي لا تزال وزارة العمل واقعة تحت تأثيرها الخادع، هو تركيزها على "الكم" بالنسبة لتوظيف المرأة السعودية، والقيد الوحيد الذي وضعته في اعتبارها هي تلك الضوابط الشرعية والاجتماعية، ورغم تحفّظ الكثير حول درجة الالتزام بتلك الضوابط من عدمه، والتي يتحمّل اختراقها منشآت القطاع الخاص المخالفة لها بالدرجة الأولى، إلا أن الأمور بصورتها السليمة وفي إطارها الأوسع، ليست أبداً على اتفاقٍ مع المبدأ الضيق الأفق الذي تعمل بموجبه وزارة العمل.
القضية ليست مجرد توفير وظيفة للمرأة السعودية وفق الضوابط الشرعية والسلام! ليست أبداً هكذا، ولا يجب أن تكون هكذا، وإنَّ استمرار وزارة العمل ومعها منشآت القطاع الخاص بالعمل وفق هذه الرؤية القاصرة من جميع اتجاهاتها، لهو مؤكد على وجود جهلٍ مطبق وتام بالكثير من القضايا التنموية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بدور ومساهمة المرأة السعودية، لعل من أهم تلك القضايا ما يلي:
(1) إن دور المرأة السعودية الرئيس - خاصةً المتزوجة ومن لديها أبناء تقوم على تربيتهم - هو تولّي أعباء منزلها وعائلاتها، وهذا الدور الأول والرئيس والأهم في ميزان نهضة الأمة والبلاد، ولا يوجد على الإطلاق بين مختلف شرائح المجتمع من هو أهلٌ للقيام بهذه الرسالة قبل أن تكون أي شيء آخر غير الأم، ولهذا فإنّه من المنطق القويم المطالبة بتخصيص مكآفأة مالية شهرية لكل أم تتولى أداء هذه الرسالة، وهو أمرٌ لا تقف أهميته فقط على الأوضاع المعيشية الراهنة والصعبة التي تمر بها أغلب الأسر السعودية، لقاء انخفاض دخل رب الأسرة إن كان يعمل، أو انعدامه إن كان عاطلاً على العمل، بل إنّه غاية التثمين والتقدير المفترض أن توليها الدولة والمجتمع لهذه الرسالة، كونها المهمة المعينة بإعداد الأجيال وتربيتهم وتأهيلهم وفق سماتنا الحضارية، ولك أن تتساءل عن هوية تلك الأجيال القادمة إنْ تلقّتْ تربيتها وقيمها من مربيّات لا علاقة لهن بأي بعدٍ حضاري أو تاريخي لنا، (وصل عدد تأشيرات العمالة المنزلية الصادرة خلال الفترة 2004 - 2012م إلى أكثر من 4.6 مليون تأشيرة!!).
(2) تعتبر وزارة العمل وكل من يجاريها في نظرتها تجاه توظيف المرأة السعودية، أن حصولها على أيّ وظيفةٍ مهما كانت تلك الوظيفة، متدنية المهارات أو متدنية الأجر، أنّه إنجازٌ غير مسبوق، (حتى وإن كانتْ تلك الوظيفة عاملة نظافة على حساب تركها لمنزلها وعائلتها)، وهذا ليس تقوّلاً على وزارة العمل، فهو ما جرت العادة على سماعه من خلال تصريحات كبار المسؤولين فيها من فترة إلى أخرى، وهو موثّقٌ في تقاريرها وبياناتها الصحفية المنشورة، وهو ما يؤكد ما أشرتُ إليه أعلاه. إنّه اعترافٌ صريح لا يقبل أي تأويلٍ آخر أن الوزارة تسير بنا نحو المعلوم ضرره بصورة فادحة وخطيرة، وأن وزارة العمل كما يبدو غير قادرة على إدراك أولويات التنمية والإنماء في بلادنا، وهذا ما يستدعي - بكل أسف قوله - الاستعداد من الآن للآثار الكوارثية التي ستجلبها مثل تلك السياسات والقرارات.
(3) استحوذتْ المرأة السعودية طوال العشرين عاماً الماضية على الحصة الأكبر من مخرجات التعليم العالي، فمن بين كل ثلاثة خريجين ذكورا وإناثا توجد فتاتان! وفي المقابل لم تتوافر أمامهن الفرص المجدية والحقيقية التي توازي تلك الكفاءات من النساء الخريجات، لا على مستوى العدد ولا على مستوى التأهيل! ولا حتى ما يوازي إنفاق الدولة لتريليونات الريالات على تعليمهن وتأهيلهن وتدريبهن! فقد تتوظّف خريجة جامعية كبائعةٍ في محل ملابس نسائية أو أطفال أو محل عطور، ووفْق الضوابط الشرعية والشروط إلى آخر تلك الإعلانات المعتادة، وتأتي نهاية العام لتعلن وزارة العمل أنه ضمن الإنجازات غير المسبوقة! ولو أدركتْ الوزارة حجم الكارثة التي اُرتكبت في حق كلٍ من مقدرات البلاد والمرأة السعودية ومستقبل الأجيال والمواطن بصورة عامة، لما أقدمتْ على المضي قدماً عن قصر نظرٍ منها فيما قامت به.
(4) ارتفع عدد العاملات السعوديات في القطاع الخاص خلال العام الماضي 2012م، بأكثر من 116.4 ألف فتاة سعودية (بمعدل نمو سنوي فاق 117 في المائة)، ليتجاوز عددهن في القطاع الخاص سقف 225.8 ألف عاملة سعودية! وفي المقابل انخفض متوسط أجور السعوديات في القطاع الخاص خلال 2012م بنحو - 7.5 في المائة إلى نحو 2613 ريالا شهرياً (ثاني نشاط في توظيف المرأة السعودية هو نشاط "تجارة الجملة والتجزئة"، لا يتجاوز متوسط أجر العاملة السعودية فيه 2349 ريالا شهرياً)! فهل هذا هو الأجر النقدي الذي تجاهد وزارة العمل ومن يؤيدها -عن غير إدراك لكل ما ذُكر أعلاه من مخاطر- لأجل إحلالها في سوق العمل؟! هل هذا الأجر هو الذي تعتقد تلك الجهات أنه سيكفل لها كرامة العيش؟ ألا يوجد أي سببٍ وجيه آخر يمكن إقناعنا به لأجل كل هذه الجهود المكثفة لأجل توظيف المرأة السعودية؟! أيُعقل أن 2613 ريالا فقط ستتقاضاها المرأة السعودية، هي ثمن التضحية بأهم وأخطر أدوارها الاجتماعية والتنموية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي