القصة قديمة تتكرر دائما

كانت البداية في الجهاد لمحاربة الروس الكفار في أفغانستان.. فلسطين الثانية التي شعر بوش الأب أن المقاتلين العرب هناك يذكرونه بآبائه.. المجاهدين ـــ ربما يقصد حروب الإبادة للهنود الحمر ـــ من أراضيهم، إذ كان الرجل الأبيض يتعامل معهم بوصفهم أحراشا يجب تنظيف التربة منها أولا، نبات ضار يجب قلعه أو حرقه. وهكذا تم الاثنان معا.
العرب المسلمون وعدد غير قليل منهم ''سعوديون''. تحرك كثيرون بحسن نية، لهذا الجهاد المدعوم أمريكيا، الذي جعل السعودي أسامة بن لادن يخرج بكل ثروته ـــ من أجل هذا الجهاد ضد الكفار الروس، بمساعدة الكفار الأمريكان والتسليح المدفوع القيمة من دول عربية تورطت فيه حين ذاك.
النتائج لم تعد خافية على أحد ـــ تكون فكر القاعدة ـــ وكانت حركة طالبان نموذج الحكم فيها، وخرج الروس، وعاد الطالبيون إلى أوطانهم.. ليجدوا أنفسهم غير مرحب بهم في السياسة وفي الاجتماع. ووجدوا أن فكرهم، وسلوك المقاتل البدائي الشرس لا تحتمله المدنية بكل انفتاحها ورغدها وتطور الإنسان فيها. وبهذا تحول إلى الإنسان القنبلة، التي تنفجر كراهية في كل مكان وبلا سبب محدد، فقد انتهى إلى كوننا جميعا كفارا أيضا مثل الروس، وهذه المرة يساعده الأمريكان أحيانا وليس دائما. ويستعملونه عن بعد دائما، ليتم تفجيره في المكان المطلوب والصحيح بالنسبة لهم.
لم يعترف أحد بالخطأ، ولا يرغب أحد أن يقرر أن خطأ حقيقيا قد وقع، وأن الرأي الذي ركز على وجوب عدم التورط في حروب خارج حدودنا ضرورة؛ لأن التاريخ في يقينه يؤكد قاعدة أن من يبدأ الحرب على أرض الآخرين، ستنتقل إلى أرضه، وحين يرجع سيجدها قد سبقته إليها أو أنها تأتي خلفه تتبع أثره.
تنظيم القاعدة، وفكر الخوارج كان الحصاد، وكان الثمرة، والأمريكان استنزفوا الروس والخليج معا، على أرض أفغانستان.. ولم يربح أفغانستان شيئا، كما أن استبدال الأسماء والصور لم يغير الكثير، إلا إطلاق سراح الأفغان من الاعتقال الجمعي له، من قبل حركة طالبان وفكرها.
سقط صدام، في حرب كان الجميع لا يريدها، هناك دول كانت تسهم في هذا السقوط سرا، إلا أنه كان يحتشم منه علانية أحيانا وبعد السقوط.. جاء من أعاد القصة ذاتها.. وهي مجاهدة الكفار في العراق وتحرير أرض الرافدين! فهي فلسطين الجديدة.. وبذات الخطاب، وبذات عدة العمل القديمة، واستغلال التدين البسيط والعواطف الدينية، تم إقحام أولادنا الذين تحولوا إلى ضحايا أو مساجين بسهولة فائقة.. وتحولوا إلى تجارة رهائن، ومخطوفين. والجهات التي يفترض أنها تأويهم.. كانت تتفاوض مع القوات الأمريكية على ثمنهم! وفي الوقت الذي انشغل فيه الزرقاوي بجهاد التفجير لهؤلاء الشباب المتحمسين، في الشوارع، وفي الجنود والمدنيين على حد سواء. كان هو شخصيا، يُحيي سنة التعدد للزوجات بالصغيرات في السن، وهذا ما تم اكتشافه أيضا عن أسامة بن لادن وأعمار زوجاته الثلاث. حين مقتله إن صحت رواية القتل، إلا أن الزوجات فهي حقيقة ظهرت بشخوصها وحصادها من الأولاد.
وكما أن الزرقاوي والذين معه كانوا يقبضون الأثمان، ويرفلون في انتهاب أجساد النساء، وأولادنا هم الضحايا بلا ثمن ما بين سجن وتعذيب، وتفجير، وتنفيذ أحكام الإعدام، وهذا هو قسمة الجهاد العادلة، كذلك المحرضون على الخروج بألسنتهم وعظاتهم العاطفية المجنونة الذين في كل مرة يقعدون هم مع القواعد!
سورية تأتي القصة للمرة الثالثة.. و85 ضحية من أولادنا وشبابنا قتلت، بذات المضمون وبذات التورط في حروب الآخرين، الذين يخرجون أبناء الناس للجهاد يضنون بأنفسهم وأبنائهم كما في كل مرة، ويسلقونك بألسنة حداد عن وجوب الجهاد بلا حدود وبلا جغرافيا مصطنعة وبلا حاجة حتى لحكومة ولي الأمر في تقريره، ومعرفة وقته وتحديد الوسيلة الأفضل للولوج فيه دون أن نسوق أبناءنا قرابين وضحايا على أرض لا نعرف تضاريس القوة فيها.
وكما في العراق، لا تعرف من معك، ومن يستدرجك، ولا تعرف من حليفك، ومن ينتظر الثمن المناسب لبيعك، ومن يقاتل من أجل قضية، ومن يقتل كل من حوله لينتفع هو وحده! وكما هي العادة الدخول في حروب الآخرين، والقتال نيابة عنهم على أرضهم ليس هو بالضرورة الوسيلة الصحيحة للنصرة.
ولم يكن بوسع العقلاء أن يرفعوا أصواتهم بالتذكير بهذه الحقيقة المروعة حتى نطق بها صريحة خادم الحرمين الشريفين ليميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حين طالب بتتبع أفواه الخروج والتحريض عليه بالملاحقة القضائية والمساءلة القانونية، لتوريط أولادنا في معارك لا يملك أحد القدرة على تحديد موازين القوة فيها.
بعد مجزرة القصير المروعة.. وبعد هذه القصة المتكررة، هل يشرع نظام عقوبات منصوص عليه وصريح ومباشر.. يطول من يتطوع بأولاد الناس في كل حرب إقليمية بطول لسانه، ويدخر نفسه لكي يقيم سنة التعدد للصغيرات في السن؟!
وهل تترجم إرادة خادم الحرمين الشريفين بسرعة القبض والملاحقة القضائية مع الذين تسببوا في هذه القرابين الجديدة؟
ومتى تُسن التشريعات التي بها نختتم هذه القصة، ونحول دون عودتها تارة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي