النفط غير التقليدي والذروة النفطية

مضى على اكتشاف النفط عقود طويلة، قبل أكثر من 120 عاماً. وبدأ منذ ذلك الوقت استخدامه وقودا للمحركات الميكانيكية ليحل محل البخار. ولم نكن في بادئ الأمر نفرق بين أنواعه وأشكاله، لتشابه الخصائص الجيولوجية والمركَّبات الكيماوية وطرق الإنتاج وتدني التكلفة، على الرغم من وجود أنواع أخرى وبكميات كبيرة في مناطق محدودة من العالم، تتميز بخصائص تختلف كليا عن تلك التي نجدها في النفط (التقليدي) المُفضَّل. وبعد أن وجد العالم نفسه أخيرا أمام شبح نقص في الإمدادات النفطية الرخيصة، بسبب الإسراف الفاحش في إنتاجه واستهلاكه، بدأ الاتجاه إلى إنتاج مصادر النفط المُكلِف نسبيا. وهنا دعت الضرورة إلى التفريق بين النفط الرخيص والنفوط ذات التكلفة العالية. فأطلقوا على الأول اسم ''التقليدي''، من نوع نفوط الخليج، وعلى الثاني ''النفط غير التقليدي''.
وبوجه عام، فإن النفط التقليدي يوجد في الطبيعة على هيئة سائل عند أعماق تراوح في الغالب بين ألف وخمسمائة متر وأربعة آلاف متر داخل عمق الأرض وتحت ضغط مرتفع، نتيجة لاحتوائه على كميات كبيرة من الغاز الذائب (أو ما يسمى الغاز المصاحب). أما النفط غير التقليدي فقسم منه يوجد في الطبيعة على الهيئة الصلبة لكونه مختلطا مع الصخور الحاملة له، كالنفط الرملي والصخر النفطي، وعادة ما يكون وجوده قريباً من سطح الأرض. ولا بدَّ من تخليصه من مركبات الصخور عن طريق التسخين تحت ظروف خالية من الأكسجين. وهناك أنواع أخرى من النفط غير التقليدي توجد على هيئة سائل غليظ غير قابل للجريان تحت الظروف العادية، ويحتاج إلى معالجة خاصة، وربما أيضا للتسخين لرفع درجة حرارته حتى يسهل جريانه وإنتاجه. وأنواع أخرى من النفط توجد على هيئة سائل، لكنه محبوس داخل صخور عديمة النفاذية، ومنها النفط الصخري. ودعت الضرورة خلال السنوات الأخيرة إلى استغلال النفط غير التقليدي على نطاق واسع، خصوصًا في الولايات المتحدة، وإلى درجة ما في كندا، وهو الذي تزيد تكلفة إنتاجه بما يربو على خمسة إلى عشرة أضعاف تكاليف إنتاج النفط التقليدي حاليا. وذلك من أجل دعم الأخير لمواكبة الطلب المتزايد على مصادر الطاقة. ومن المتوقَّع أن تستمر زيادة إنتاج النفط غير التقليدي لسببين: الأول أن كميات إنتاج النفط التقليدي أصبحت على وشك الوصول إلى الحد الأقصى ثم البدء في الهبوط. والسبب الآخر أن الطلب على الطاقة يزيد مع مرور الوقت بنسب تتناسب طرديا مع استمرار وتنامي انتعاش النمو الاقتصادي العالمي. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الاحتياطي العالمي من النفط الصخري ''القابل للإنتاج''، بما يقارب 345 مليار برميل. وقد لا يكون بالإمكان إنتاج إلا نسبة قليلة من هذه الكمية، ربما لا تتعدى 5 في المائة من المخزون النفطي.
وأحدث إنتاج النفط غير التقليدي بعض الإشكالات حول ما يسمى الذروة النفطية. ولو كان إنتاجه كسهولة إنتاج النفط التقليدي والكميات المستخرَجة بالقدر نفسه لتغيرت المعادلة ولا أصبحنا نخشى حدوث شح في الكميات المطلوبة. وحتما سوف لا يكون هناك مجال لارتفاع الأسعار إلى المستوى الحالي بسبب وفرة المعروض. لكن وضع استخراج النفط غير التقليدي، ومنه النفط الصخري والرمال النفطية والنفوط عالية الكثافة، لها صفات خاصة تدفع بالتكلِفة إلى مستويات مرتفعة. ومن أهم العوائق التي يتميز بها تدني مستوى كميات الإنتاج، الذي يقل عن إنتاج النفط التقليدي بنسبة كبيرة. فتكلفة بئر النفط التقليدي التي تنتج خمسة إلى عشرة آلاف برميل في اليوم هي تقريبًا نفسها بالنسبة لبئر النفط غير التقليدي التي لا يتجاوز إنتاجها المئات، وربما بضع عشرات من البراميل في اليوم الواحد. وهذا يتطلب حفر عدد كبير من الآبار المكلِفة.
لذلك فمن غير المقبول أن نقول إن لدينا كميات هائلة من المواد النفطية، التقليدي وغير التقليدي، وأنها ستظل تغذي الطلب العالمي، ونحن نعلم علم اليقين أن الاعتماد اليوم على النفط التقليدي الرخيص بنسبة لا تقل عن 90 في المائة من مجموع الاستهلاك الكلي. وهذا، مع الأسف، ما استدعى استنزاف المصادر الرخيصة بطريقة أبعد ما تكون عن الحكمة وحسن التصرف والترشيد. ولأن الله قدر لنا في منطقة الخليج أن نكون معتمدين في جميع شؤون حياتنا على المصادر النفطية الناضبة، فقد أصبحنا ضحية لهذا النهم العالمي على مصادر ثروتنا الوحيدة. تركوا المصادر الأكثر تكلفة حتى ينتهي الرخيص وسيتركوننا تحت رحمة الله، ونعم بالله. ونحن نهلل ونصفق ونردد وراءهم ما يقولون، لا ذروة للمصادر النفطية! وفي الواقع، لا يهمنا إن كانت هناك ذروة للإنتاج النفطي العالمي الذي يشمل التقليدي وغير التقليدي، لكن الذي يهمنا بالدرجة الأولى هو مصدر دخلنا. حتى نزيل اللبس، الذي قد يصاحِب فهم البعض، فالذي نقصده بالنضوب هو تناقص الإنتاج إلى مستويات متدنية لا تفي بحاجة شعوب غير مُنتِجة، كشعوب منطقة الخليج.
ومن أجل أن نكون أقرب إلى المنطق السليم، فماذا نسمي قصور النفط التقليدي وغير التقليدي بأنواعها عن تلبية كامل الطلب العالمي على الطاقة؟ ولماذا نستثمر في بدائل مصادر الطاقة غير النفطية المكلِفة، من أجل تغطية النقص الحاصل نتيجة للشح في الإمدادات النفطية التي ظلت تغذي الاقتصاد العالمي لعقود؟ ففي نظرنا أن الاختلاف في الرأي، حول ما يسمى الذروة النفطية، وهمي أكثر منه حقيقة. وسيزول سوء الفهم لو أن المتحاورين اتفقوا على تعريف واضح لهذه الظاهرة السحرية، الذروة النفطية. اتفقوا على المقصود بالذروة وعلى تحديد تأثيرها في الاقتصاد العالمي والإقليمي ومستقبل الشعوب كافة، وستجدون أنكم جميعًا متفقون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي