المليارات وضعف سلامة المدن

رغم إنفاق المليارات على البنية التحتية والطرق والمرافق إلا أن مدننا لا ترقى إلى مثيلاتها في دول الخليج! نقول هذا بكل حسرة. فالأحياء تشكو من سوء المناسيب التي تسبب تجمع مياه الأمطار وتفتقر إلى التخطيط الذي يمكنك من وصف منزلك وتلقي بريدك، فأسماء الشوارع دون تقسيم الأحياء وأرقام البيوت لا تجدي. والأحياء الجميلة تتشوه سريعاً بتحويل الطرق الرئيسية فجأة من سكني إلى تجاري فيجني مستثمرون أرباحاً خيالية ويعاني أصحاب المنازل وكأننا نعجز أن نخطط لمنطقة تجارية في كل حي تقدم الخدمات المطلوبة كما هي في الدول المجاورة.
شرايين مدننا وطرقها الرئيسية تكتظ وتزدحم سريعاً لأن حركة النقل والمواصلات لم يفكر بها أحد! والأسوأ أن تكون ملاصقة للمباني فلا يمكن توسعتها في حين ترى دولة كالكويت منذ ثلاثة عقود والبيوت تبتعد عن الطرق الرئيسة 100 متر تقريباً! نعاني من سوء التخطيط والنظرة القاصرة وغياب الأنظمة وتجاوزها وتداخل المسؤوليات فيما تنفق المليارات على عمليات ترقيع وتجميل وتنشأ أحياء جديدة بالأخطاء والتشوهات نفسها!
قد يتقبل المواطن على مضض آملا في مستقبل أفضل لكن ما لا يقبله هو أن يتعرض للأخطار بسبب سوء التخطيط وغياب التنسيق وتداخل المصالح. تنفس أهل الدمام والخبر الصعداء حين تعاملت لجنة حماية البيئة في مجلس المنطقة بحزم مع مصنع سافكو للأسمدة الذي كان يتوسط قطاعات سكنية وتجارية وكانت أبخرته من قوتها تؤثر في طلاء السيارات! وتم تفكيك المصنع وإزالته. حين نشاهد الكارثة التي نتجت عنها وفيات وإصابات في انفجار معمل أسمدة في الولايات المتحدة نحمد الله أن تمت إزالة مصنع سافكو قبل وقوع كارثة مماثلة.
وحين نشاهد الأضرار الضخمة والوفيات التي تسبب فيها انفجار سيارة نقل غاز مضغوط في الرياض نرتعد ونحن نمر على خزانين ضخمين في مدخل مدينة الدمام يمتلئان بكميات ضخمة من الغاز المضغوط وندعو الله أن يعجل بنقله إلى منطقة بعيدة تحفظ سلامة المدينة. فالسجل الرائع للسلامة في مرافقنا الصناعية في ''أرامكو'' و''سابك''، و''الكهرباء'' والشركات الصناعية الأخرى يجب ألا يقلل من مخاطر الحوادث الصناعية التي إذا وقعت تسببت في كوارث مفجعة تحدث حتى في الدول المتقدمة.
من حق المستثمرين من رجال أعمال ومواطنين تضرروا من إيقاف المخططات الواقعة على طريق مطار الملك فهد في الدمام المطالبة بحل يسترجع حقوقهم، ولكن ذلك يجب ألا يكون على حساب المخاطرة بسلامة المدن وساكنيها بإقامة مخططات مجاورة لمناطق ومرافق صناعية أو على حساب اقتصادنا بمصادرة مواقع استراتيجية مهمة تؤثر في إمكانية وكفاءة استخراج ومعالجة ونقل النفط. والكل يعلم أن تجاوزات حدثت في هذه المخططات، حيث تم تداولها دون الحصول على موافقة وزارة البترول والثروة المعدنية التي لا تلام على موقفها من فك ما يسمى بمحجوزات ''أرامكو''.
تلاصق مدن الدمام والخبر والظهران والقطيف وشواطئها وضع قيوداً على الخيارات المتاحة للتعامل مع حقول النفط في هذه المنطقة، لذا تشكل منطقة المحجوزات الخيار الأنسب. أضف إلى ذلك أن الموقع يمثل نقطة التقاء وتوزيع لأنابيب النفط المقبلة من الحقول في أبقيق والأحساء والمتجهة إلى فرضة التصدير في رأس تنورة والأنابيب الناقلة للغاز والنفط إلى غرب المملكة والمنتجات المكررة إلى المنطقة الوسطى. ثم إن استخراج البترول في هذه المنطقه يستلزم بناء معامل معالجة للزيت والغاز تتضمن متطلبات السلامة فيها ابتعادها عن المناطق المأهولة بآلاف الأمتار، وكذلك تحتاج أنابيب نقل الغاز إلى حرم يمتد مئات الأمتار لضمان سلامة السكان. هذا يعني أن التصرف في المحجوزات يجب أن يخضع لدراسة تعتمد على الخطط المستقبلية لتحديد المرافق التي يحتاج إلى إنشائها والمناطق التي يجب أن تخلو من أي مخططات سكانية. ونعلم أن متغيرات الصناعة النفطية ومتطلباتها وتقنياتها تتغير، لذا نحتاج إلى مرونة في التعامل معها واحترام متطلباتها كما هو الحال مع الصناعات البتروكيمياوية في الجبيل.
أما إلقاء اللوم على محجوزات ''أرامكو'' بأنها السبب في شح الأراضي السكنية وارتفاع الأسعار فيفنده وجود بدائل عديدة بين الدمام والخبر مثل الأراضي التابعة للمؤسسة العامة للسكة الحديد وهي مؤسسة حكومية ليست معنية بالاستثمار العقاري، وإنما تستثمر أراضي قدمت لها لدعم احتياجها في تخزين البضائع وإذا كانت لا تحتاج إليها لعملها الحالي والمستقبلي فبدلا من تأجيرها عليها إعادتها للدولة لتعزيز المعروض من الأراضي السكنية. هناك أيضا مساحة كبيرة للحرس الوطني غير مستغلة وهناك مساحات مماثلة في مطار الظهران الدولي سابقا، وكلها مرافق يجب أن يعاد فائضها من الأراضي للدولة. كما أن الطريق الساحلي بين الدمام والخبر يمتد على شريط طويل ويتم دفنه لإنشاء مخططات جديدة أحدها يحوي عدداً ضخماً من الأراضي!
لسلامة مدننا وسكانها ولحماية اقتصادنا علينا ألا نخلط بين حقوق معلقة لمستثمرين لهم كل الحق في استعادتها وبين مناطق استراتيجية يدعم بقاؤها في يد الدولة اقتصادنا ومستقبل أجيالنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي