حكمة القيادة في تنظيم سوق العمل

القرار الأخير الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ يحفظه الله ـــ الذي منح بموجبه مهلة ثلاثة أشهر لمخالفي نظام الإقامة والعمل لتصحيح أوضاعهم، يعد قراراً حكيماً للغاية، كونه يمنح فرصة ثمينة للمؤسسات والشركات لتصحيح أوضاعها وأوضاع العاملين لديها، حيث يصبح سوق العمل في المملكة نظيفاً وخالياً من تجاوزات العمالة السائبة وغير النظامية، التي تضر بمصالح الاقتصاد الوطني وتعمل على تشويه سوق العمل السعودي.
ويأتي حرص الملك عبد الله على منح تلك المهلة للعمالة لتصحيح أوضاعها، رغبة منه بأن يتم الإصلاح بأسلوب هادئ وسلس ومرن، بعيداً عن التشنج والعنفوان غير المبرر، الذي قد يتسبب في إحداث إرباك للسوق، ويتسبب أيضاً في إرباك مصالح الناس من المواطنين والمقيمين المتعاملين مع تلك العمالة، ولا سيما أن حملات التفتيش التي قامت بها السلطات المعنية بالأمر في البلاد، قد تسببت في حدوث نوع من الإرباك للسوق، مما أدى إلى حدوث العديد من السلبيات.
الوسط التجاري السعودي ورجال المال والأعمال، ثمنوا هذه الخطوة المباركة للملك عبد الله، واعتبروها بمثابة إحداث نقلة نوعية في سوق العمل نحو الأفضل، ولا سيما أن السوق ظل يعاني لفترة طويلة من الزمن من العمالة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة التستر التجاري في مشاريع القطاع الخاص كافة، وبالذات في مجال قطاع التجزئة الذي وصلت فيه نسبة التستر إلى نحو 90 في المائة، كما أن انتشار العمالة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة، قد ضاعف من حجم الصعوبات والمعوقات والتحديات التي تواجهها الحكومة السعودية المرتبطة بتوطين وظائف القطاع الخاص بالعديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية.
ويتوقع أن يحدث تصحيح أوضاع العمالة لأنظمة العمل والإقامة في المملكة، السيطرة على حجم الحوالات المالية للعمالة الوافدة للخارج، باعتبار أن جزءا منها يعود لوافدين يقومون بممارسة التستر التجاري من خلال العمل لحسابهم الخاص تحت أسماء مواطنين مع الأسف الشديد، مما يؤدي إلى حدوث أضرار كبيرة للاقتصاد الوطني، وبالذات للناتج المحلي الإجمالي للمملكة ولميزان المدفوعات. كما أن تصحيح أوضاع العمالة المخالفة لأنظمة العمل في المملكة، سيساعد وبشكل كبير على مكافحة انتشار البطالة بين الشباب السعودي نتيجة احتكار العمالة الوافدة لكثير من الأنشطة ومزاحمة المواطنين في أعمالهم.
إن نجاح المهلة التي منحها الملك عبد الله لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة في المملكة، يتطلب من وزارتي الداخلية والعمل المعنيتين بالأمر، سرعة تسهيل إجراءات نقل الكفالات وعدم السماح بمنح تأشيرات جديدة خلال مهلة التصحيح المحددة، إلى أن تتضح الرؤية عن مدى حاجة السوق لعمالة إضافية، حيث يفترض أن هذا التصحيح سيخفف من نسبة الاستقدام للعمالة الأجنبية، بما في ذلك المتاجرة بالتأشيرات التي انتشرت خلال الفترة الماضية وكانت نتائجها سلبية نتيجة تكدس العمالة الوافدة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة في المملكة.
ويتطلع الخبراء في سوق العمل السعودي، أن يتم خلال مهلة التصحيح لأوضاع العمالة غير النظامية، تصحيح مسميات المهن، ولا سيما أن السوق يعج في الوقت الراهن بمسميات لمهن لا تنطبق على المهن الحقيقية التي تزاولها العمالة الوافدة، مما يحدث تضليلاً واضحاً للمتعاملين مع تلك العمالة، إضافة إلى أن التصنيف الواضح للمهن، سيساعد على معرفة الاحتياج الحقيقي للسوق من المهن المختلفة.
إن منح مهلة كافية لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة لأنظمة العمل، سيكون بمثابة اختبار جيد لصدق نيات المؤسسات الوطنية بمختلف أنواعها، ومدى جديتها في تصحيح أوضاع العمالة لديها، وبالذات بالنسبة للمنشآت التي تقع في النطاقين الأحمر والأصفر، كونها هي الأكثر اعتماداً على العمالة الوافدة في تسيير دفة أعمالهم.
ويعول البعض على أن تستغل هذه المهلة أفضل استخدام، بأن يتم ربطها بالتعرف على حاجة المنشآت الفعلية للعمالة وتوفير ما هو ممكن منها من المواطنين واللجوء إلى توفير النقص ببعض المهن من العمالة الوافدة النظامية، حيث يتم نقل كفالاتهم في الحال على المؤسسة التي ترغب في الاحتفاظ بهم بصرف النظر عن موافقة الكفيل الأساسي لتلك العاملة.
إن منح مهلة كافية للعمالة الوافدة لتصحيح أوضاعها في المملكة، سيعمل على استمرار وتيرة الحركة الاقتصادية والتجارية للمملكة وعدم تعطيل لحركة الإنتاج وتعطل المشاريع بسبب نقص العمالة وترحيلها المفاجئ، كما أن منح العمالة المخالفة مهلة كافية لتصحيح أوضاعها يدل بوضوح على حكمة الملك عبد الله وحرصه على المحافظة على السمعة والمكانة الدولية المتميزة التي تحتلها المملكة على مستوى العالم، ولا سيما أنها تلقب بمملكة الإنسانية.
خلاصة القول، إن المهلة التي منحها الملك عبد الله بن عبد العزيز للعمالة المخالفة لأنظمة العمل والإقامة للمملكة، ستعمل على تنظيف سوق العمل من العمالة غير النظامية، وستمنح العمالة والمنشآت العاملة في المملكة فرصة سانحة وغير مسبوقة لتصحيح أوضاعها غير النظامية.
كما أن مثل هذه المهلة ستحد من الأضرار التي قد تلحق بالحركة التجارية ووتيرة الإنتاج في المملكة، باعتبار أنها تتم بهدوء بعيداً عن عنصر المباغتة والمفاجئة غير المبررة، ولا سيما أن معظم المهن الفنية والبسيطة التي لا يقبل السعوديون العمل فيها تشغلها عمالة وافدة.
إن منح هذه المهلة سيسهم بشكل كبير في القضاء على حالات التستر التجاري وسيقضي أيضاً على انتشار العمالة السائبة التي تسببت في الإضرار بالاقتصاد الوطني بمخالفتها أنظمة الإقامة والعمل في المملكة، حيث يصبح سوقنا المحلي ـــ بإذن الله ـــ سوقاً نظيفا وجاذباً للعمالة الوطنية والعمالة الوافدة المؤهلة على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي