لو أَصبحتُ وزيراً!

لو، لا قدر الله، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، استيقظت ذات صباح على صوت مكالمة هاتفية مستعجَلة، تُنبئني بأنني قد عُيِّنتُ في منصب وزير، وأنا الذي لم يكن لي شأن يُذكر قبل أن أبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً، وهو زمن تخرجي في جامعة تكساس في أمريكا قبل خمسين عاماً. وللمعلومية، فقد أكملت هذه السنة الثمانين عاما من عمري المديد، وأحمد الله على دوام الصحة والعافية والمِنَّة عليّ بالإيمان. ولأن ذلك التعيين المفاجئ لم يكن مُتوقعاً على الإطلاق، فقد استغربت أن أكون ضمن المجموعة الجديدة من الوزراء، الذين عادة يختارونهم من شِلة الشباب. لكنني التزمت الأدب وقدمت شكري للمسؤولين وامتناني لهم لاختياري من بين عشرين مليون إنسان أو يزيدون، يعيشون فوق هذه الأرض الطيبة، بعد أن تأكد لي بطبيعة الحال أنني أنا فعلاً المقصود وليس تشابه أسماء أو خطأ في رقم الهاتف. ولأني فوجئت بهذا التعيين فقد قلت لمحدثي، الذي كان في غاية الأدب والتواضع، ألا تعلمون أنني لا أحمل من الشهادات إلا البكالوريوس في هندسة البترول، وأنتم غالباً ما تختارون الوزراء من حملة شهادات الدكتوراه، حتى ولو كان الحصول على بعضها بالبركة أو عن طريق المراسلة التي تفشت في عصرنا الحاضر؟ فتفضل مشكوراً، قائلاً: ألست ممن قضوا أكثر من ثلاثة عقود في مدرسة الأجيال، شركة أرامكو السعودية؟ قلت بلى، ويشرفني ذلك. قال فأنت في نظرنا تحمل شهادة الدكتوراه الفخرية التي عادة لا تُمنح إلا لعِلية القوم والمشاهير من الشخصيات البارزة، وهي أهم عندنا من شهادات المراسلة. قلت له أنا فقط سألتك من أجل أن يطمئن قلبي. وقبل أن نتبادل كلمات التوديع، طرأ على بالي موضوع طالما أزعجني، على الرغم من أنني لم أكن في يوم ما طرفاً فيه. فوددت أن أتأكد أنه لن يحدث لي دون سبب جوهري، لا قدر الله إعفائي من منصبي, فأنا أرى فيها هضما لحق الشخص المقصود إلا في حالة ارتكابه جرما يستحق عليه العقاب. وأود أن يكون لدي حصانة من هذه القنبلة المؤقتة، فوعدني خيراً جزاه الله ما يستحق من الخير. انتهت المكالمة التاريخية، أو بالأحرى، حلم اليقظة!
رجعت إلى نفسي وأنا في حيرة من أمري، ماذا لو كان ما سردته قد حدث في عالم الواقع وليس في الأحلام؟ أليس من الأفضل أن أعِدَّ من الآن برنامجاً يكون جاهزاً للتنفيذ في حال أصبحت وزيراً؟ قد يقول قائل، إن المناصب الوزارية لا تُعطى لمن يتوقعها، فلا يكون لديه الوقت الكافي للتفكير في التخطيط لبرامج مدروسة وجاهزة للتنفيذ. ويُترَك للوزير اجتهاده الشخصي. فلو ابتلانا رب العالمين بمنصب وزاري تكون لدينا على الأقل خلفية نبدأ بها العمل.
وبما أنني من تراث شركة أرامكو العريقة، فحتماً سأحضر إلى مكتبي في الوزارة عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، كما كانت عادتي أيام زمان مع أرامكو. ومع ذلك، فلن أطلب من الموظفين الحضور إلى مكاتبهم قبل الساعة السابعة والنصف. شيء آخر مهم، سأترك البشت أو المشلح داخل السيارة عند حضوري للعمل؛ حتى لا أشغل ''الفراش'' المسكين بالحضور مبكراً والقيام بنزعه من على كتفي وتعليقه في ركن من أركان المكتب، وأنا قد منَّ الله عليّ بأيد سليمة. ومن الأمور البديهية المهمة التي سأتقيد بها وأنشر ثقافتها بين موظفي الوزارة، عدم الرد على مكالمات التليفون أثناء الاجتماعات حتى ولو، بالنسبة لي، كان على الطرف الآخر أم نبيل، الله يحفظها.
ومن المهم اختيار مدير المكتب من الشباب الذين يتميزون بالتواضع وحسن الأداء والانضباط والروح المرحة مع الضيوف والزائرين وأصحاب الحاجات. ولن أسمح مطلقاً لمدير مكتب الوزير أن يعيِّن نفسه وكيل وزارة ويتصرف في غيابي كما يشاء، مثل ما يفعل البعض.
وأجدني من شدة الحماس، أريد عمل الشيء الكثير، لكن أيام العمل الأسبوعية لا تزيد على خمسة فقط، مع التذكير بأن يوم الإثنين مُخصص لجلسة مجلس الوزراء. وسأختار يوم الأربعاء لأقضيه مع الوكلاء وبعض المسؤولين في الوزارة، لمناقشة المواضيع التي تحتاج إلى اتخاذ قرارات بشأنها. أما يوم الثلاثاء فهو مناسب لتطبيق سياسة الباب المفتوح وبعض الأمور الخاصة. وسأخصص يوم السبت للزيارات ''والقفشات'' خارج الوزارة، في مختلف مناطق المملكة. ويبقى يوم الأحد. هذا اليوم، وهو الأهم، سأقضيه وراء الأبواب المغلقة. فأنا في حاجة إلى الرجوع إلى النفس وإلى الرؤية البعيدة التي تحتاج إلى التفكير والتخطيط للمشاريع المهمة طويلة المدى التي يتطلب الموافقة عليها عرضها على مجلس الوزراء الموقر لمباركتها. وصحيح أن يومي الخميس والجمعة هما يوما الراحة الأسبوعية، إلا أنني بتأثير من خلفيتي الأرامكوية، سأجد حالي مُنشغلاً بأمور الوزارة حتى خلال هذين اليومين. ولن أستغرب لو وجدت نفسي مدفوعاً دفعاً قوياًّ لزيارة موقع ما تحت مسؤوليتي للاطلاع من كثب على سير العمل هناك، دون أن يكون لذلك ترتيب مُسبق. وعلى فكرة، لا أحد يستطيع أن يتصور شعور الموظفين في الأماكن النائية عندما يقوم أحد المسؤولين بزيارة مفاجئة إلى مقر عملهم، فما بالك إذا كان الزائر هو الوزير نفسه بعظمه ولحمه؟ ومن أجل بعث روح النشاط البدني والذهني في الموظفين، فسنغلق أبواب المصاعد الكهربائية على الأقل يومين في الأسبوع، واستخدام الدرج بدلاً منها.
وبصرف النظر عن أي وزارة تكون من نصيبنا، فإنني كمواطن سأهتم كثيراً بترشيد الطاقة. ولا أقل من أن أطلب تحويل تغذية جميع المرافق في الوزارة والتابعة لها من الطاقة الشمسية لتكون نواة لمرافق الدولة كافة. ومن حسن الحظ أن العمل في الوزارات نهاري، أي أنه يبدأ بعد شروق الشمس وينتهي قبل أن تقترب من الغروب.
وقليل من وزرائنا الذين يتركون أثراً متميزاً بعد خروجهم من الوزارة. ولا نقصد هنا الطِّيْب والسمعة الحسنة، بل المهم تحديد مسارات المشاريع المستقبلية التي لا يتم إنجازها في غضون سنوات قليلة متزامنة مع وجود الوزير نفسه على رأس العمل. فلدينا كثير من المواضيع المهمة والاستراتيجيات طويلة المدى التي يحتاج تنفيذها إلى عقود وتتطلب مراحلها كثيراً من المتابعة المنظمة التي لا تتأثر بتغيير الشخصيات. ويكمن سر نجاحها في التخطيط المبدئي السليم الذي يأخذ في الحسبان أهميتها للمستقبل البعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي