قطر قفزت بالاتحاد الخليجي إلى المرحلة الثالثة

قال مسؤول قطري إن بلاده تجري حاليا مسحا في قطاع العمل لمعرفة حجم الاحتياج الوظيفي، قبل البدء في طرح الوظائف أمام مواطني دول مجلس التعاون الخليجي لشغرها. وبحسب ما نشرته صحيفة ''الاقتصادية''، فقد أوضح مدير إدارة البحوث واللجان في غرفة تجارة قطر أن الوظائف سيتم الإعلان عنها في حال حصرها وطرحها أمام الخليجيين، مشيرا إلى أن الموظف الخليجي سيحصل في قطر على 90 في المائة من المميزات التي يحصل عليها القطري، وأن فرص العمل في قطر كبيرة وتتمتع بمميزات عديدة، إضافة إلى سهولة الحصول عليها. ولفت الخبر إلى أن قطر تعدّ من أرخص دول العالم في تكلفة السكن والمواد الاستهلاكية الأخرى وفقا لإحصائيات التضخم.
وأضاف الخبر أن دخول مواطني الخليج سوق العمل القطرية لن يتسبب في أي منافسة أمام القطريين لأن المساحة كافية ومحفزة لتشغيل عدد من مواطني الخليج كأولوية عن العمالة الأجنبية الوافدة في حال وجدت كفاءات عالية تتناسب وطبيعة المهن. ملمحا إلى أن قطاعات التشغيل والأعمال في قطر قادرة على منح فرص وافرة للقطريين والخليجيين والفرص ستكون أكبر في القطاع الخاص، وبرواتب ضخمة تتنافس على استقطاب الكوادر.
وقد تفاوتت وجهات النظر حول هذا التوجه، ومهما اختلفنا مع هذه الآراء، التي رأى بعضها أن ما أقدمت عليه قطر يعد تدخلا منها في أنظمة وخطط دول الجوار - دول مجلس التعاون - التي تعاني أزمة حقيقية في البطالة وقد تواجه هذه الأخيرة إحراجا مع مواطنيها لعدم مقدرتها على توفير وظائف لائقة لمواطنيها. آخرون يرون أن محاولة قطر أو أي دولة خليجية أخرى لتقديم فرص عمل للكوادر الخليجية أحد الحلول لمساعدة الدول الأعضاء على امتصاص أزمة البطالة التي تعانيها الدول الأعضاء.
رأي آخر يرى أن عمل كهذا سينعكس سلبيا على تسرب الكفاءات الوطنية في المستقبل من دول الخليج إلى قطر على اعتبار أنها الأوفر نصيبا في طرح فرص العمل في القطاعين الأهلي والحكومي، فقطر بالفعل تحتاج إلى موارد بشرية هائلة خلال العقود المقبلة نتيجة التنمية غير المسبوقة التي تمر بها.
ونريد أن نخرج عن كل هذه الاجتهادات ونحلل الموضوع علميا وفقا لإدارة الأعمال الدولية. فقطر إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وبين هذه الدولة ودول الخليج مجلس تعاون منذ عقود ومن الطبيعي أن يتقدم هذا التجمع الذي هو نظريا في شكل اتحاد وألا يبقى رهين الاجتماعات والمجاملات، فكما نعرف أن الاتحادات والتكتلات الدولية تمر بعدة مراحل تبدأ بتحرير التجارة وتنتهي بالاتحاد الفيدرالي.
فمرحلة تحرير التجارة بين دول الاتحاد (أي اتحاد) تقتضي إزالة جميع العوائق التي تعترض حركة السلع والخدمات بين الدول الأعضاء عن طريق إلغاء التعريفة الجمركية والدعم الذي تقدمه الدول الأعضاء لصناعاتها ومنتجاتها المحلية وتسهيل الإجراءات الإدارية التي تعترض واردات الدول الأعضاء إلا أن لكل دولة حرية التحكم في خططها وسياستها التجارية الداخلية والخارجية، وأفضل مثال يوضح هذه المرحلة اتحاد NAFDA بين كل من الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك عام 1989.
أما المرحلة الثانية وهي ما يطلق عليها الاتحاد الجمركي فيتم خلالها إزالة العوائق التجارية، وتكييف سياسة التجارة الخارجية لدول الاتحاد. وأفضل اتحاد قام بذلك ما أقدمت عليه كل من بوليفيا، كولومبيا، الإكوادور، وبيرو، برفع التعريفة الجمركية للسلع الواردة لدول الاتحاد. أما الاتحاد الأوروبي فلم يول هذه المرحلة الاهتمام اللازم فتم القفز من تحرير التجارة إلى السوق المشتركة وهي المرحلة الثالثة التي تشمل إضافة إلى تحرير التجارة وتكييف سياسة وخطط التجارة الخارجية السماح لعوامل الإنتاج ورؤوس الأموال والقوى العاملة بحرية الحركة بين الدول الأعضاء. وقد تواجه بعض دول الاتحاد عوائق نتيجة هذه الحركة مثل زيادة نسبة البطالة وزيادة نسبة التضخم إلا أنها تعوض في جوانب أخرى.
المرحلة الرابعة الاتحاد الاقتصادي ويشبه السوق المشتركة في أنه يستلزم انسياب عوامل الإنتاج وتكييف سياسة التجارة الخارجية للدول الأعضاء إلا أنه يمثل اتحادا اقتصاديا كاملا وينطلق بعملة موحدة وتجانس معدلات الضريبة بين الدول الأعضاء وسياسة نقدية مشتركة. ورغم أن الاتحاد الأوروبي قريب من هذا إلا أنه ليس هناك نموذج للاتحاد الاقتصادي المثالي حتى يومنا هذا. وعندما يبلغ الاتحاد الاقتصادي أوجه فإن هذا يمهد لقيام اتحاد سياسي/ فيدرالي وتصبح شعوب تلك الدول تحمل جنسية موحدة، فالدول المتناثرة تصبح دولة واحدة والعواصم المختلفة تصبح عاصمة واحدة. وأفضل مثال لهذه المرحلة الولايات المتحدة وكندا، وهذه المرحلة تمثل نهاية مرحلة التكتلات.
نعود لموضوع رغبة قطر في توظيف مواطني دول مجلس التعاون فنقول: إن ما ستقدم عليه قطر تصرف طبيعي ومفترض طالما أنها أحد أعضاء اتحاد دول المجلس وهذا الاتحاد سيمر بالمراحل السالفة الذكر وتكون نهايته على شكل اتحاد فيدرالي ونية قطر في استقطاب الموارد البشرية الخليجية إليها تكون قد قفزت بالاتحاد إلى المرحلة الثالثة مرحلة السوق المشتركة ومن أبرز خصائص هذه المرحلة حرية حركة القوى العاملة ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد مع احتفاظ كل فرد بجنسيته.
وأظن قطر تقصد ذلك لأنها حصرت الاستقطاب على الخليجيين دون غيرهم من الجنسيات كما أظنها لا تريد أن تقع في الأزمة التي وقعت فيها الإمارات خصوصا إمارة دبي عندما اعتمدت في بناء نهضتها العملاقة على الكفاءات دون مراعاة للمحتوى الثقافي والديني للموارد البشرية فوقعت في أزمة ثقافية لم تحسب لها حسابا، لدرجة أن اللغة العربية تعد اللغة الثانية وهذا وضع خطير، فليس من الحكمة أن تبني الدول تنميتها على أنقاض ثقافتها! وموضوع بناء التنمية على أنقاض الثقافة يحتاج إلى تفصيل نؤجل مناقشته في مناسبات قادمة ـــ إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي