الصينيون وكأس العالم التربوي والتعليمي

الصينيون وكأس العالم التربوي والتعليمي

إذا كان الصينيون لم يحالفهم الحظ في الفوز بكأس العالم لكرة القدم حتى اليوم ، مع أن ذلك أمراً ممكناً بالنسبة لهم في المستقبل القريب ،فهم يعملون حالياً على جمع عناصر النجاح جميعها من أجل النهوض بكرة القدم وتحقيق الحلم الكبير باستضافة المونديال وحصد اللقب أيضاً ، والجميع يعلم أن الصيني يمتاز بالإنضباطية العالية والحماس والتصميم على النجاح ، ولذلك من غير المستبعد أن نرى الصين من أقوى المنتخبات العالمية يوماً ما؟؟ فإن الصينيين قد نالوا بجدارة كأس العالم التعليمي والتربوي في الاختبارات التربوية الدولية، (بيسا) للعام 2009 ، وهي الإختبارات التي تجريها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD مرة واحدة كل ثلاث سنوات، لقياس قدرات الطلبة في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم، والتي تعتبر المعيار الدولي الرئيس لقياس جودة الانظمة التعليمية في البلدان المختلفة. وقد أشارت آخر النتائج الى ان النظام التعليمي الصيني يتجاوز بجودته الانظمة التعليمية في كثير من الدول الغربية، وهو ما جعل الرئيس الامريكي باراك اوباما في رده على النتائج التي خرج بها التقرير الاخير بالقول "البلاد التي تتفوق علينا في مجال التعليم اليوم ستتفوق علينا في باقي المجالات غدا." وبلا شك فأنه بينما يحظى تطور الصين في المجالات الاقتصادية والسياسية باهتمام شديد من باقي دول العالم، فقد أشارت نتائج الاختبارات التربوية الدولية، (بيسا) إلى أن التلاميذ الصينين يحققون نتائج "مذهلة" في الاختبارات التربوية الدولية،وأن ذلك النجاح حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعدّ إنعكاساً للطريقة التي تعد بها الصين اجيالها الجديدة ، إذ تشير نتائج اختبار (بيسا) لعام 2009 الى ان مدينة شانغهاي تأتي في المركز الاول في تسلسل جودة التعليم في العالم، ولكن لم يتضح ما اذا كانت هي وهونغكونغ (التي حققت هي الاخرى نتيجة مرموقة) حالتان فريدتان على نطاق الصين. ويؤكد شلايشر، المسئول الدولي عن أختبارات "بيسا" وهو الماني يعمل في مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، ويوصف بأنه الاب الروحي لهذه المقارنات التعليمية ، يؤكد ان النتائج التي خرج بها التقرير تشير الى ان اداء التلاميذ في باقي مناطق الصين كان قويا ايضا. ويضيف "ولكن يجب ان نتذكر ان في الصين هناك ايمان راسخ بأن التعليم هو مفتاح النجاح."ويقول المسؤول التربوي الدولي أيضاً إن النتائج التي حققها التلاميذ الصينيون الفقراء على وجه الخصوص تحسدهم عليها اي دولة غربية. ولم تسمح الحكومة الصينية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنشر النتائج التفصيلية لهذه الاختبارات، ولكن شلايشر يقول إنها ترسم صورة مجتمع يستثمر المال والجهد - فرديا وجماعيا - في مجال التعليم. وحقيقة الأمر أن الصين تبذل جهوداً أكبر في سبيل بناء الرأسمال البشري مقارنةً بالدول الأخرى كما يشير إلى ذلك الكاتب والمحلل السياسي الأميركي نيكولاس كريستوف ، ففي مقال له بهذا الخصوص يقول " في ظل الارتفاع المتواصل للفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة الأميركية، تميل الأخيرة إلى الرد على ذلك عبر فرض التعرفات الجمركية وإقامة مزيد من الحواجز. غير أنه بدلاً من ذلك، يجدر بنا استخلاص العبر والدروس من الصين نفسها، والرد عبر مزيد من الاهتمام بالتربية والتعليم. ذلك أن أحد أسباب الصعود الذي تحققه الصين ويؤهلها لإمكانية الحلول محل الولايات المتحدة كأهم بلد في العالم خلال القرن الحالي، يكمن في حقيقة أن الصين تبذل جهوداً أكبر في سبيل بناء الرأسمال البشري مقارنةً بنا ".
وقد قارن الكاتب والمحلل السياسي الامريكي نيكولاس كريستوف بعض جوانب التعليم فيما بين أمريكا والصين من خلال إطلاعه الميداني على النظامين وتوصل الى بعض الملاحظات التالية:
1- إن مستوى الرياضيات الذي يدرس حتى في مدارس الفلاحين في القرى الصينية يشبه مستوى الرياضيات في المدارس الممتازة بمنطقة نيويورك .
2 يبدأ أطفال الفلاحين الصينيين بتعلم الإنجليزية في الصف الأول أو الثالث وحسب المدرسة، بعد أن أدخلت الى المناهج الدراسة حديثا وقد كانت نقطة ضعفهم، بينما لا يبدأ التلاميذ في أمريكا تعليم اللغات الأجنبية الا في الصف السابع.
3- يتميز التلاميذ الصينيون بتعطشهم للتعليم وإحراز التقدم ويتلقون دروسهم لفترات طويلة إذ يلتحق التلاميذ في المدرسة في الساعة السادسة والنصف صباحا لتلقي مزيد من التوجيه والرياضة قبل أن تبدأ الدروس في الساعة السابعة والنصف وفي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة يذهبون الى بيوتهم من أجل الغداء ثم يعودون الى المدرسة في الساعة الثانية ظهرا حيث يدرسون حتى الساعة الخامسة عصرا.
4- تكن الصين إحتراما ثقافيا كبيرا للتعليم في اطار موروثها الكونفشيوسي (نسبة الى الفيلسوف الصيني كونفشيوس 551-479 ق.م)، وهو مايفسر إهتمام الحكومات والعائلات معا بالتعليم اذ يحظى المعلمون بإحترام كبير وإمتيازات مادية عالية.
5- يؤمن الصينيون بأن الطلبة الذين يحصلون على أفضل العلامات هم أولئك الذين يعملون بجد ومثابرة وبالمقابل يرى الأمريكيون,في إستطلاعات الرأي، إن أفضل التلاميذ هم أولئك الذين يتمتعون بذكاء فطري إذ أن ليس للأطفال الصينين عذرا وذريعة لتبرير ضعف نتائجهم.
لقد قال يوماً "نابليون بونابرت " "دع الصين نائمة لأنها عندما تستيقظ فسوف يندم العالم " ، فهل صدقت مقولة "نابليون" فهاهي الصين اليوم عملاقاً بشرياً وأقتصادياً قوياً ، عملاق متعلم وساحر في تعليمه يشار إليه بالبنان، وهي تستحق الدراسة والتأمل خصوصا في تجربتها ونهضتها في مجال التربية والتعليم لغرض الاستفادة منها في تطوير بلدنا التي لا زال التعليم فيها "محلك سر" ويا ليته كذلك ، بل يتراجع إلى الخلف عاماً بعد عام ،منتجاً المزيد من التخلف الذي ينتج الأزمات تلو الأزمات. ونتسائل هنا .. لماذا لا تستفيد وزارة التربية والتعليم في اليمن من خطوات المنظومة التعليمية الصينية أو الكورية الجنوبية مثلاً وهما اللتان تعتبران الأنجح من أنظمة تعليمية غربية؟ فنتائج المقارنات الدولية في التعليم تتحدّث عن نفسها وتبيّن أن النظام التعليمي الصيني والكوري يتجاوز "بجودته" الأنظمة التعليمية في الكثير من الدول الغربية.
وقد صدق رسولنا الكريم (ص) عندما قال (إطلبوا العلم ولو في الصين)، إذ أن أهم سر في تقدمهم هو إهتمامهم الكبير بالنظام التعليمي لبناء أكبر رأسمال بشري في العالم.

الأكثر قراءة