الكوافيرة نورة!

نورة شابة سعودية في الثامنة والثلاثين من عمرها، أرسلت لي رسالة تطلب فيها مني أن أكتب عن قصتها لعلكم تجدون بين ثناياها ما يمنحكم الإلهام، وأنا أعتقد جازمة بأن كفاحها سيثير كوامن الشغف في داخلكم لتحقيق حلم ربما دفنته الأيام أو الخوف من مواجهة الناس حين يطلعون على تفاصيل ما تحلمون به.
تقول نورة: ''حين طلقت كنت في الـ 23 من عمري وأمسك في يدي ثلاثة أطفال، أكبرهم في السادسة من عمره وأصغرهم في الشهر الثاني، لم أطلق بسبب سمعة سيئة أو أخلاق منحطة، بل لأنني رفضت أن أصنع شايا إلى أخته التي كانت تشاهد التلفزيون وقتها، وطفلي مريض يبكي، تخيلي إلى أين يمكن أن يصل ظلم البشر؟ لكنني لا ألوم طليقي فقد كان ضعيف الشخصية وقد أصبحت خادمة تحت أقدام شقيقاته الأربع إرضاء له، ولكن كما يقولون للصبر حدود، عدت إلى بيت أهلي بلا وظيفة ولا شهادة سوى المرحلة المتوسطة، وكان وضع أهلي المادي سيئا إلى أقصى الحدود، فكيف الآن وقد ازداد العبء بعودتي بصحبة ثلاثة أطفال صغار؟ منذ كنت طالبة وأنا أمتلك موهبة في فن الماكياج وعمل التسريحات المميزة واشتهرت بذلك بين زميلاتي، كان حلما مدفونا في داخلي، لكن الظروف جعلتني أنبش تراب الأيام عنه وأعيد ترميمه رغم معارضة كل من حولي من أشقائي وأقربائي بحجة نظرة الناس وكلامهم، لكني ضربت كل ذلك بعرض الحائط فما دمت لا أفعل ما يغضب الله ورسوله، فلم أرتجف خوفا من كلمة جارحة أو نقد جائر، فالناس لن يطرقوا بابي ليقدموا لي ما لا يحفظ كرامتي، ولن يطرقوا بابي في المناسبات والأعياد ليهبوا ملابس العيد لأطفالي، وهكذا قررت أن أحول غرفة خارجية متواضعة في منزل أهلي البسيط إلى ''مشغل'' أستقبل فيه النساء، لا أخفيك كانت الأيام الأولى صعبة لعدم معرفة الناس بي وعدم ثقتهم بشابة سعودية، ولكن شيئا فشيئا بدأت دائرة زبوناتي تكبر والرزق يزداد بفضل ربي ثم دعوات والدتي الحبيبة، وبعد خمس سنوات تمكنت من استئجار مشغل واستقدام عاملتين آسيويتين تساعداني، وبعد عشر سنوات توسع مشغلي وأصبح دورين وعندي حاليا 27 كوافيرة وعاملة، خمس منهن سعوديات أقولها بكل فخر، سمعتي بين الناس من فضل الله كما يقول إخواننا المصريون ''مثل جنيه الذهب''، وعند الأذان أوقف العمل تماما إلى أن تؤدي العاملات الصلاة، لا أقبل بغير الاحتشام في مشغلي، ولا أتعامل إلا بكل مصداقية مع زبوناتي، اشتريت منزلا كبيرا لي ولعائلتي، ابني الكبير على وشك التخرج والآخران متميزان في دراستهما.
قبل 15 عاما لو أنني توقفت عند كلمة ''عيب وش يقول الناس عنا '' لربما الآن أنا أستدر عطف الجمعيات الخيرية وأنتظر متى ينزل راتبي من الضمان، ''وأحتاس'' بسداد فاتورة كهرباء أو شراء ملابس عيد لأبنائي، العمل ليس عيبا إن كان طريقه شريفا ولا يغضب الله ورسوله وهذه دعوة مني لكل امرأة أن تفك القيود عن أي موهبة تمتلكها وتغنيها عن مد يدها للسؤال والحاجة لمن حولها، والنبي عليه السلام أخبرنا بأن تسعة أعشار الرزق في التجارة فلم الانتظار؟ فالحياة لا تنتظر.
أعزائي القراء هذه قصة الكوافيرة نورة.. وأنا شخصيا أفتخر بها وبكل امرأة لا تكسرها عواصف الحياة لأن حسن ظنها بربها المتفضل أكبر من كل هزيمة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي