تنمية اليمن.. الخيار الاستراتيجي

لا شك أن أوضاع اليمن الشقيق لا تسر الصديق، فالفقر والجوع والمرض وبؤر الإرهاب والقلاقل السياسية تهدد هذا البلد العظيم بتاريخه وأبنائه. وبحكم موقع اليمن الجغرافي فإن السعودية خاصة ودول الخليج عامة تتأثر بشكل مباشر من هذه الأحداث أمنيا واقتصاديا واجتماعيا. ويستشهد صديق من شباب الأعمال البارزين في الصناعة بمقولة توماس فريدمان "إذا لم تزر جارك الفقير فسيزورك" أي بمشاكله الاجتماعية والأمنية، فالمسألة ليست اختيارية! يؤيد ذلك ما تم تداوله من أن أغلبية الخمسة ملايين وافد غير النظاميين في المملكة هم يمنيون! لكن لو نظرنا إلى اليمن من زاوية مختلفة فسنجد فيها مزايا لا تتوافر في بقية دول الخليج مثل: وفرة اليد العاملة ورخصها نظرا لانخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بدول الخليج وسرعة التعلم والتدرب مع قربها الجغرافي من المملكة ووجود وسائل نقل برية وبحرية.
في المقابل تشكو المملكة وأغلبية دول الخليج من وجود عمالة وافدة ضخمة يعمل أغلبها في وظائف مهنية لا تحتاج سوى إلى تدريب بسيط، لكن وجودها في المملكة يسبب مشاكل كبرى على رأسها التحويلات الخارجية بعشرات المليارات والإخلال بتوطين الوظائف، إضافة إلى التبعات التي تشمل ازدحام الطرق وتوسع المدن واستنزاف البنية التحتية والمصادر المحدودة كالمياه والكهرباء والأطعمة، إضافة إلى المشاكل الأمنية والتستر والغش التجاري وغيرها، ما يشكل هاجسا للمواطن والمسؤول، خاصة في ظل ضعف الرقابة وتسيب بعض الكفلاء ومخالفة العمالة للأنظمة.
نعلم جميعا أن المنافسة الحامية بين المصنعين في الغرب دفعتهم للبحث عن سبل لخفض تكاليف منتجاتهم، لذا قامت الشركات الأمريكية والأوروبية بتصنيع منتجاتها التي تعتمد على الأيدي العاملة الرخيصة غير الماهرة في دول مثل الصين وتايلاند وأمريكا الجنوبية رغم بعدها الجغرافي واختلاف اللغة ونجحت في تحقيق مكاسب كبرى حتى صار من النادر أن تجد منتجا أمريكيا أو أوروبيا يصنع في بلده رغم توافر الأيدي العاملة الوطنية.
حين نستحضر هذه الاستراتيجية الناجحة نجد أن لدينا فرصة رائعة لتحقيق مكاسب مشتركة لنا ولليمن. فلو تبنت وزارة التجارة والصناعة والغرف التجارية مبادرة استراتيجية لتصنيع بعض المنتجات في اليمن، خاصة تلك التي تعتمد على الأيدي العاملة الرخيصة ذات التدريب المحدود؛ لحقق المستثمر فوائد عديدة أهمها تخفيض تكلفة المنتج لرخص اليد العاملة وتجاوز صعوبات الحصول على أراض صناعية وتأشيرات العمالة فيما يستفيد الوطن من تقليص العمالة الوافدة وتبعاتها ومشاكلها.
هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى إقامة تنمية حقيقية في اليمن لا يحتاج معها اليمني إلى مغادرة بيته وأسرته وتحمل مصاعب الغربة، كما أن بقاءه في بلده بدخل أقل أمر مجد لتوافر السكن وانخفاض تكاليف المعيشة. واستمعت قبل فترة إلى حوار في إذاعة البي بي سي مع صحافي يمني يؤكد فيه أن مشاكل الإرهاب في اليمن سببها الأول الفقر، وأنه لو توافرت فرص عمل وتنمية حقيقية لانشغل الناس بها واهتموا بأسرهم وحافظوا على الأمن وحاربوا تنظيم القاعدة بدلا من الانضمام إليه.
تنفيذ هذه الاستراتيجية بلا شك يحتاج إلى تجاوز عوائق أمنية ولوجستية وتنظيمية وقانونية، وربما قصور البنية التحتية في اليمن، لكننا لو قدمنا الدعم كما تفعل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن طريق تنفيذ مشاريع مباشرة تدعم تنمية البلد وتخدم المواطنين، لتمكنا من تنفيذ هذه الاستراتيجية الواعدة.
ناقشت الفكرة مع صديقي الصناعي ذي الخبرة الواسعة فأبدى تحفظا عليها كونها ستتسبب في هجرة وظائف يمكن أن يشغلها سعوديون إذا تم نقل مصانع أو معامل بأكملها. وجهة نظري هو أن ماليزيا تفوقت لأنها استهدفت الوظائف الفنية العالية والاحترافية بينما أبقت على الأعمال الثانوية في قطاع الخدمات والمقاولات وغيرها للعمالة الإندونيسية الوافدة، وهذا ما يجب أن نفعله. اتفق معي، لكنه وضعها هدفا للجيل القادم، لأن الجيل الحالي من العاطلين يعانون ضعفا في التأهيل وقلة احترام لأخلاق العمل وغياب الالتزام المهني. وكحل بديل وإن كنت أراه مكملا اقترح أن تنشئ دول الخليج كليات ومعاهد فنية في اليمن لتخرج عمالة ماهرة متخصصة تحل محل العمالة الوافدة من دول شرق آسيا كي تقل الحاجة إليها مستقبلا، وهذا سيساعد كذلك على قيام استثمارات ومشاريع تنموية في اليمن.
استقرار اليمن من مصلحة اليمن أولا ثم من مصلحتنا، وتنميته مكسب لهم ولنا، فما يحدث في اليمن ينعكس علينا مباشرة، وأحداث الحوثيين مثالا كلفت الدولة مبالغ كانت يمكن أن تنهض باليمن وتجعل أهلها يتصدون لمثل هذه المخاطر. أتمنى أن تجد الفكرة اهتمام المسؤولين ورجال الأعمال وأن نرى خطوات لتنفيذها في القريب العاجل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي