جدوى الاستثمار في غاز السجيل الأمريكي

تصدَّر صحيفة ''الاقتصادية'' يوم الجمعة، الموافق 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، خبر بعنوان، (''سابك'' تتطلع إلى موطئ قدم في حقول الغاز الصخري الأمريكية). وهو، إن صحَّ، خبر مفاجئ، لكون مستقبل إنتاج الغاز الصخري الأمريكي لم تتضح معالمه بعد، على الرغم من الضجة الإعلامية التي نشهدها اليوم حول المبالغات الهائلة لضخامة تقديرات الاحتياطي القابل للإنتاج واستدامة عمر الإمدادات. لكن الواقع قد يكون مختلفاً عن جميع التوقعات عندما تتضح الصورة بعد بضع سنوات من الإنتاج. ما يستدعي التريث قبل عقد اتفاقيات ملزمة قد تكون نتائجها سيئة. وكنت قد كتبت مقالاً في ''الاقتصادية'' - 15 يوليو، 2012، ضمنته مرئياتنا الأولية فيما يتعلق بمستقبل الغاز الصخري في أمريكا، تحت عنوان: ''فقاعة غاز السجيل''.
اكتشاف الغاز الصخري في الولايات المتحدة لم يكن جديداً، بل هو قديم ومعروف منذ عشرات العقود. والتكنولوجيا المستخدَمة اليوم لإنتاجه معروفة أيضا قبل أكثر من 60 عاماً. والجديد في الأمر هو ارتفاع أسعار مصادر الطاقة التي وصلت بسعر برميل النفط إلى أعلى من مائة دولار. وأصبح بالإمكان اقتصادياًّ إنتاج هذا الغاز عن طريق التكسير الهيدروليكي، وهي عملية مُكلِفة وتتطلب وجود عدد كبير من معدات تخزين وضخ السوائل تحت ضغط كبير. والعملية الواحدة تحتاج إلى ما يقارب خمسة ملايين جالون من الماء، مع خليط من الرمل والمواد الكيماوية. ونظريا، فإن ضخ السائل إلى أعماق الطبقات شبه الصماء الحاملة للغاز تحت ضغط كبير يُحدِث تشققات داخل الصخور إلى مسافات معينة ومحدودة في محيط قاع البئر. ومع ولوج حبات الرمل داخل الشقوق، فهي تعمل على إبقائها مفتوحة لتسمح للغاز بالتسرب إلى مدخل البئر. والغرض من هذا التوضيح هو بيان أن تأثير عملية التكسير الهيدروليكي في إنتاجية البئر محدودة وينتهي مفعولها بعد مدة قد لا تكون طويلة. فعندما يصل الإنتاج إلى مستوى غير مُجدٍ اقتصاديا،ًّ يتطلب ذلك إعادة العملية المكلِفة مرة ثانية وثالثة، أو حفر بئر جديدة في موقع مجاور. ونظرا لتدني كمية الإنتاج، مقارنة بآبار الغاز التقليدي، فإن ذلك يتطلب حفر عدد كبير من الآبار، تحتل مساحة واسعة، ما قد يتسبب في مضايقات غير مريحة للمناطق السكنية المجاورة. وتزداد الأحوال سوءا عندما تسبب عمليات التكسير الهيدرولوكي المتكررة تلوثاً بيئياًّ قريباً من المحيط السكاني. ومن طبيعة إنتاج الغاز أنه يفقد طاقته الإنتاجية بسرعة تفوق عدة مرات السوائل النفطية، ونحن هنا نتحدث عن منطقة صغيرة حول البئر.
ولذلك فإن الحكم في هذا الوقت المُبكِّر على مدى صمود الغاز الصخري أمام التوقعات المتفائلة، ليس له ما يبرره، ولا ننصح بأن يكون مجالاً لاستثمار كبير وطويل الأجل من مؤسسة خارج الولايات المتحدة، ليس لديها أي خبرة في عمليات إنتاج حقول النفط والغاز.
ومعروف أن الثروات المعدنية والهيدروكربونية التي تحت سطح الأرض في أمريكا يمتلكها أصحاب الأرض، سواء منها ما يخص الحكومة الفيدرالية أو حكومات الولايات أو الأفراد، وهو الأغلب. وكل مالك حر في استغلال ثروات أرضه متى ما شاء وكيفما شاء، دون أي قيود. والشركات المتخصصة في الحفر وفي خدمات الآبار ومرافق الإنتاج هناك جاهزة وبأعداد كبيرة، والمنافسة على أشدها. ورؤوس الأموال متوافرة. فكان من المتيسر أن نرى حدوث طفرة غير مُقيدة لإنتاج الغاز الصخري رغم ضآلة المردود، بسبب تدني الأسعار نتيجة للسباق المحموم لإنتاج أكبر كمية ممكنة في أسرع وقت. فهم لا يعتبرون ثروة الغاز مادة استراتيجية تُحسب لاستنزافها الحسابات. ومن المحتمَل أن إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة بلغ أو يوشك أن يبلغ ذروته وقد انخفضت أسعاره إلى الحد الأدنى بالنسبة لتكلفة إنتاجه، ما يعني أن الأسعار الآن مرشحة للصعود، وربما أنها في طريقها لتصل إلى ضعف الأسعار الحالية خلال زمن قصير، خصوصاً إذا توسع استخدام الغاز الصخري ليشمل المرافق البتروكيماوية أو التصدير إلى الخارج. والأكثر خطورة على مستقبل إنتاج الغاز غير التقليدي في أمريكا بالذات، وأغلبية دول العالم على وجه العموم، معارضة الهيئات المهتمة بشؤون ملوثات البيئة، كما هو حاصل الآن في أوروبا. وعمليات التكسير الهيدرولوكي، بما قد تسببه من احتمال تلويث لمحتويات الطبقات الحاملة للماء العذب وفوق سطح الأرض لن تكون في منأى عن أنظارهم ومراقبتهم. وإذا لم يستطيعوا إيقاف إنتاج الغاز الصخري، فحتما سيكون لهم شروط ترفع من التكاليف الكلية. ومن المهم ألا نستمع إلى نتائج الدراسات والتوصيات المتسرعة حول هذا الموضوع، التي غالباً ما تصدر عن هيئات ومؤسسات محلية لها مصالح خاصة.
وإذا كانت شركة سابك أو غيرها من المؤسسات المحلية لديها الاستعداد والنية للاستثمار في مشاريع يكون سعر وحدة الغاز فيها أعلى من أربعة دولارات، فالأولى أن تكون في المملكة، حيث تبلغ تكلفة إنتاج الغاز غير المصاحب، وأحيانا من النوع غير التقليدي، من المصادر الجديدة فوق هذا المستوى. ولا ندري كيف أن شركة سابك، وهي التي تبني سياستها ونمو استثماراتها وأعمالها على قاعدة 75 سنتاً لوحدة الغاز الذي تستخدمه، وتتمتع مثل غيرها في المملكة بمزايا فريدة تشمل إمدادات الماء والكهرباء والوقود بشبه (البلاش) ومن دون ضرائب حكومية على المنتجات، تستطيع منافسة الشركات الأمريكية في عقر دارها عند سعر يزيد على أربعة دولارات ومستقبل غير مضمون؟
ونود أن نلفت النظر إلى أن ما أدرجناه آنفاً ليس على الإطلاق من باب التدخل في قرارات هذه الشركة المتميزة العملاقة، ففيها من الخبرات والرجال الأكفاء منْ هم أفضل منا وأدرى بشؤونها، إنما هو توضيح بسيط لأمور قد لا تكون حاضرة في الوقت الحاضر. وهو رأي شخصي قابل للخطأ والصواب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي