أسعفوهم يا شباب

في بعض الأحداث المؤلمة التي يقوم البعض بتصويرها بالجوّال نسمع عبارة تكاد تصرخ حروفها دائماً بحرقة "أسعفوهم يا شباب.. ساعدوهم"، وما بين الشهامة والإسعاف الحقيقي خيطٌ رفيعٌ تتعلق فوقه أرواحٌ قد تقتلها شهامة مَن لا يجيدون الأساسيات الصحيحة للإسعاف، وقد تُحييها مساعدة إسعافية حقيقية، فالإشكالية ليست في المشاركة بالمساعدة فالكل يجيد ذلك، ولكن الإشكالية فيمَن يجيد حقاً تقديم تلك المساعدة التي ستسهم ـــ بإذن الله ـــ في إنقاذ حياة الآخرين.
في حادثة انفجار صهريج الغاز بطريق خريص رأينا كثيراً من المقاطع لمتجمهرين يرغبون في تقديم المساعدة، ولكن - مع الأسف - أغلبهم كانوا يجهلون كيفية قيامهم بذلك بطريقة صحيحة، ومن تلك المقاطع التي أثارت انتباهي شخصٌ ينزف بشدة والدماء تغطي ملابسه وحوله شبابٌ يمسكون بيده ويحثونه على الركض بعيداً عن موقع الانفجار، أنا أثق بأن نيّاتهم سليمة لكنهم من حيث لا يشعرون يُسهمون في ازدياد حالته سوءاً وفي استمرار النزيف الذي قد يصيبه بإغماء قد يؤدي لسقوطه، وبالتالي حدوث ضرر أكبر، إذن المسعف إدراكه يختلف عن إدراك "راعي الفزعة"، فالمسعف يدرك أنه يجب عليه أن يحافظ على سلامته الشخصية وعدم تعرُّضه للخطر، لأن المصابين في أمثال هذه الكوارث يحتاجون إليه، وهو يدرك أن عليه التصرف بهدوء وحكمة ومحاولة تهدئة المصاب والتحدث معه حتى لا يفقد وعيه، وهو يدرك أن إسعاف المصاب في الدقائق الأولى من إصابته بطريقة صحيحة سينقذ حياته ويدفع خطر الموت عنه ويسهل في شفائه ــــ بإذن الله تعالى ــــ، وهو يدرك جيداً أنه يجب ألا يقوم بتحريك المصاب إلا في حالات الضرورة، حين يكون هناك خطر أكبر يترصده مع المصاب كاحتمالية انفجار أو انهيار أو حريق، لأن تحريك المصاب قد يتسبّب له في مضاعفات خطيرة كالشلل والكسور وزيادة النزف.
إذن الأمر يتطلب أكثر من شهامة و"فزعة" فهو يتطلب الإلمام الحقيقي بالإسعافات الأولية وتطبيقها بطريقة احترافية عالية، ونحن لا نحتاج إلى الإسعافات الأولية فقط في مثل هذه الكوارث المفاجئة، بل في حياتنا اليومية فقد نكون في مواقف مفاجئة يحتم علينا فيها التصرف بحكمة مثل غصة أحد أفراد العائلة على الطعام، أو اختناق طفل بشيء ما، أو حدوث أزمة قلبية لأحدهم، أو سقوط شخص وإصابته بنزف، وغيرها من المواقف التي تحتم علينا أن نسعف الآخرين قبل وصول فرق الإنقاذ الطبية المتخصّصة لا الاكتفاء بالتفرج عليهم وهم يصارعون من أجل الحياة.
دورات الإسعافات الأولية أقترح أن تدرج ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم، وأن تقدم على أيدي متخصّصين ومتخصّصات حتى نضمن مخرجات تعليمية وتدريبية متميزة، وأن تكون أيضاً إلزامية لكل طالب وظيفة حكومية أو خاصّة، وأن تقام دورات متخصّصة لربات البيوت والأمهات لأن أغلب حوادث الأطفال تجري في المنزل، فيجب أن تتم توعية الأم وزيادة ثقافتها عن أهمية إسعاف طفلها خلال الدقائق الأولى.
الدقائق العشر أو السبع الأولى هي ما يطلقون عليها الدقائق الذهبية، التي ستسهم بحول الله في استمرار حياة شخص ما أو إنهائها، وربما يكون هذا الشخص من أقرب الناس إليك فبادر من الآن بالتسلح بهذا العلم المفيد وحثّ الآخرين على تعلمه ولنتشارك معا في رفع شعار (أسعفني.. لا تخليني).
ولنتذكر قوله تعالى "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعا".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي