Author

سيحاربونك.. وستنتصر

|
قبل ثلاث سنوات وفي إحدى الدورات التدريبية اقتربت مني شابة تتوقد عيناها طموحاً وإصراراً، وتتدافع الكلمات فوق شفتيها وكأنها تود التخلص مما يتلاطم في صدرها من ألم دفين قائلة: تخرجت في كلية الاقتصاد قبل سنتين، وكالعادة قدمت أوراقي باحثة عن وظيفة في كل قطاع حكومي وأهلي قد تتخيلينه، وكالعادة أيضاً لم يصلني أي رد، ولأني واقعية فأنا لم أتوقع أن يصلني أي رد فزميلاتي من الدفعات السابقة ما زلن يعانين البطالة فلماذا أظن أني سأكون الحالة الاستثنائية من بينهن؟ لذا فكرت في مشروع تجاري صغير وهو إعداد الحلويات والفطائر من المنزل وإيصال الطلبات لمَن يرغب بسعر بسيط. قًوبلت بهجوم شرس من أسرتي وزميلاتي وحذروني من نظرة المجتمع لي كــ "طباخة"، وأني لن أجد مَن يقبل بي زوجة له فيما بعد، كما راهنوا على الفشل المؤكد الذي ينتظر مشروعي فمن يثق بــ "طباخة سعودية"؟!، لكني لم أستسلم وبدأت في صُنع الحلويات والفطائر بمساعدة شقيقتي التي كانت تعاني البطالة مثلي. كنا معا نحارب طواحين الهواء، والمشكلة أن الرياح لم تكن تهدأ أبدا، لذلك كانت طواحين الهواء مستمرة في الدوران مما كاد يجعلها تستنزف جهودنا. سجلت في "تويتر" و"فيس بوك"، وصمّمت موقعاً إلكترونياً خاصاً بعرض الحلويات والفطائر التي نعدها وتلقي الطلبات، وكان الإقبال بطيئاً في البداية، لكنه الآن قد تحسّن بشكل بسيط، لكني لا أكتمك أني أشعر بأن طاقتي استُنزفت ممّن حولي بكثرة تبريراتي لهم ومحاربتي لكلماتهم السلبية التي يحاولون غرسها بداخلي، والجهد الخارق الذي أبذله حتى لا يفشل مشروعي فيشمتون بي، فماذا أفعل؟ لقد تعبت حقا! قلت لها: عزيزتي يقول غاندي (في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر)، فالعبرة دوماً ليست بالبدايات بل بكمال النهايات، وهذا الجهد الذي يستنزف طاقتك في "تصفيف" التبريرات لهم وشرح أسباب بطء سير مشروعك سيستهلكك تماماً إن استمررت فيه، كما أن استماعك لأحكامهم السلبية سيعوّقك عن التقدم والنجاح، لذلك ركزي جيداً على أهدافك ولا تشتتين ذهنك أبداً بالمؤثرات الخارجية، وأحسني الظن بخالقك وسيصفقون لك يوماً كوني واثقة! الآن هذه الشابة السعودية أصبحت سيدة أعمال متميزة وناجحة، وتوسعت في مشروعها بشكل مذهل، وحظيت بفخر وإعجاب كل مَن حولها من أهل وزميلات، وجاءتها الوظيفة الحكومية فرفضتها أتدرون لماذا؟ لأن مقدار ربحها الصافي من مشروعها حالياً يتجاوز 50 ألف ريال شهرياً! إذن، كل ما يحتاج إليه الشباب منا هو الثقة بإمكاناتهم وقدراتهم، وأن نؤمن بالطاقات الهائلة التي يحملونها بداخلهم، ونكف عن زرع بذور الفشل والإحباط واليأس في أعماقهم ونمنحهم المساندة والدعم والإيجابية، الشباب مثل بصمة الأصابع كل واحد مختلف عن الآخر فلماذا نظنهم جميعاً يحلمون بالوظيفة الحكومية؟ بعضهم لديه أفكار ومشاريع وإبداعات واختراعات وهمم تناطح الجبال، فدعوهم ينطلقون ويجربون ويختبرون الحياة وسينجحون بحول الله تعالى. وتذكروا أن النبي - عليه الصلاة والسلام - جعل أسامة بن زيد أميراً لجيش فيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وشيوخ الأنصار وكبار المهاجرين.. رغم أنه لم يكن يتجاوز الـ 20 من عمره!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها