حتى أنت يا شركة أرامكو!

صدر حكم في محكمة شرق فيرجينيا يجرّم فرع شركة تايكو للصمامات وأجهزة التحكم في الشرق الأوسط، بارتكاب مخالفات بدفع رشا إلى موظفي شركة أرامكو السعودية على أثر اعتراف الشركة السويدية. استمر التحقيق لمدة عشر سنوات تقريباً في مخالفات قانون (ممارسات الفساد الأجنبية) نظام يمنع الشركات الأمريكية من دفع رشا إلى المواطنين الأجانب بغرض الحصول على عقود وصفقات في بلدانهم. تبلغ هذه الغرامات نحو 26 مليون دولار (10.5 مليون دولار منها إلى هيئة الأوراق المالية)، كما أن القضية حققت فيها المباحث الأمريكية. حاولت الاتصال مع "أرامكو" لمعرفة رأيهم حول القضية، ولم يكن هناك رد كما لا يوجد بيان رسمي على موقع الشركة، لكن ذكرت الأخبار أن "أرامكو" شكلت فريقاً لاستقصاء الموضوع ومعرفة المذنبين.
يُذكر أن هذه الرشا وقعت بين نحو 2003 و2006، لكن التحقيق أشار إلى أن شركة تايكو حاولت إخفاء الحقائق عن دفاتر الشركة بين 1999 و2009. تواجد "أرامكو" ومعرفتها بالأنظمة الأمريكية، ومعرفتها بمتطلبات الحوكمة والعمل الصائب تجعل ما ينسب لـ "أرامكو" حول إرسال فريق للتقصي ومعرفة المذنبين وكأنه مصطنع ومحاولة علاقة عامة مضحكة، فشركة أرامكو بدأت عملها بتأسيسها كشركة في ولاية ديلوير، وبالتالي ليست غريبة على الوسط القانوني والنظامي في أمريكا. على مدى الأسبوعين الماضيين تحدثت عن حالة شركة المعجل كمثال عن فجوات الحوكمة وحتى موقف هيئة السوق المالية، لكن كيف لنا التعامل مع اعتراف الشركة السويدية بتقديم رشا لمسؤولين في "أرامكو"؟
على الرغم من أن شركة أرامكو مسجلة كشركة إلا أن النظام والامتيازات الممنوحة لها جعلاها فعلياً في وضع فريد أقرب إلى كونها مؤسسة حكومية، وبالتالي الأحرى أن نتعامل ويعامل منسوبوها كموظفي الحكومة في قضايا الفساد والإضرار بمصالح الحكومة وسمعتها. على الرغم من أهمية الاستحقاقات النظامية، فإن لشركة أرامكو مركزية مهمة في الوعي والتفكير السعودي حتى العالمي، لذلك فإن أي ضرر وفساد يقع يجب أن يؤخذ على محمل الجد وملاحقة كل مذنب (المساءلة القانونية) ورئيسه المباشر (استحقاقات الحوكمة) وانتفاء الحالة الاستثنائية التي قامت عليها شركة أرامكو وكأنها صندوق أسود لا يمكن فتحه، أو مفتاحه إدارتها.
في الذهنية السعودية تعتبر "أرامكو" ليست مصدر الرزق المادي فقط، لكنها لا تزال الجزئية الأهم كمثال تنموي في البناء والتعليم وإدارة المشاريع، بل إن الحكومة اضطرت في السنوات القليلة الماضية إلى دعوة "أرامكو" لإدارة مشاريع عدة لم تستطع جهات أخرى القيام بها، كما أن الكثير من كبار موظفي الشركة السابقين أصبحوا قياديين في جهات حكومية أخرى، ولو أن النتيجة ليست حاسمة في أغلب الأحيان، وذلك بسبب القفزة غير الواقعية في محاولة فرض تجربة "أرامكو" على كيانات مشوهة وبنيتها ضعيفة أحياناً، وأحياناً أخرى المنطق الاقتصادي لدورها غير واضح.
ما الحل؟
الاحتكار وقلة الشفافية مصدر للضرر. موظفو شركة أرامكو بشر وأعدادهم كبيرة لذلك لا بد أن يكون هناك مسيئون وفاسدون، لكن الاختبار الحقيقي لإدارة "أرامكو" والأجهزة الحكومية مثل هيئة الفساد وهيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية في تعقب هؤلاء وجعلهم مثالا لكل من تسوّل له نفسه العبث بالمصالح الوطنية. رب ضارة نافعة، لعلها فرصة لإعادة النظر في حوكمة "أرامكو" والتخلص تدريجياً من المهام التي ليست لها علاقة بدورها في النفط والغاز (راجع "الاقتصادية" عدد 6343 بتاريخ 19/03/1432هـ، أرامكو ومخاطر تغيير المهام) وإضفاء مزيد من الإفصاح والتشهير بمَن ارتكب المخالفات علناً، فمن دون تنفيذ القوانين تصبح الأنظمة ممراً عابراً ويهتز المسعى التنموي في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي