إيران بين اقتصاد الحرب.. والحرب الاقتصادية

في مطلع العام الجاري، انطلق عدد من المسؤولين الإيرانيين، في الدعوة إلى التعايش مع ما سمّوه ''اقتصاد حرب''، بعد أن تجاهلوا حقيقة أن إيران يمكنها أن تعيش بـ ''اقتصاد سلم''، إذا ما أراد نظامها (المعاند للحقيقة، والأطر المنطقية) ذلك. لكن علي خامنئي، ''مرشد'' الثورة، ''اكتشف'' أن في هذه الدعوة مخاطر شعبية ونفسية، ليتوقف الحديث بعض الشيء، عن ''اقتصاد الحرب''، ولينطلق آخر عن ''مصاعب اقتصادية''، بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، من جرّاء برنامج نووي مريع ومريب، رفض خامنئي أن يكون برنامجاً نووياً سلمياً بإشراف دولي. غير أن الواقع الاقتصادي الإيراني (قبل العقوبات وبعدها)، ليس سوى ''اقتصاد حرب''، بإرادة القائمين على البلاد. وتلطيف التوصيف، لا يلغي الحقيقة المجرّدة.
وعلى هذا الأساس، لم يستطع حاكم المصرف المركزي الإيراني محمود بهماني، الاختباء وراء التوصيفات الأقل حدة. ففي مطلع العام الجاري أطلق تعبير ''اقتصاد حرب''، وبعد ثمانية أشهر، يعلن بأن إيران ''تخوض حربا اقتصادية''. ولم يصل إلى هذه ''القناعة'' المعلنة، إلا بعد أن وجد، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، وقف التراجع المخيف للريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي، عن طريق خفض منهجي لسعر الصرف. فالأمور تتجه بالفعل إلى انهيار العملة الوطنية، التي باتت غير قابلة للتحويل، بل إن محال الصرافة داخل إيران، أوقفت مرات عدة هذا العام، عمليات تحويلها. لم ينفع الرفع المتواصل لمعدلات الفائدة، في وقف تدهور هذه العملة، لخفض عمليات سحب الريال وتحويله بأسرع وقت ممكن إلى عملات صعبة، وفي مقدمتها الدولار. فمَن يملك المال في إيران، يعرف تماماً، أن قيمتها تتقلص وتذوب بصورة جنونية، الأمر الذي دفع الآلاف منهم إلى تبديل ريالاتهم عند المنافذ الحدودية مع العراق، ولا يزال هذا النشاط يجري على مدار الساعة، رغم آثاره السلبية على الاقتصاد العراقي نفسه. فحتى حكومة المالكي (''مندوبة'' إيران في العراق)، أبدت في أكثر من مناسبة امتعاضها مما يجري على منافذها، بل داخل أسواقها.
بات واضحاً للنظام الإيراني، أن اقتصاده سائر نحو الانهيار الحتمي، وأنه لا يستطيع توفير الدعم للريال، لأن الأمر مرتبط بأدوات الاقتصاد المحلي كلها. فكيف يمكن توفير القطع الأجنبي (على سبيل المثال)، بينما تخضع البلاد لحظر نفطي غربي قوي؟ في حين أن النفط نفسه ينتج ما نسبته 80 في المائة من هذا القطع. والمصيبة أن إيران تبيع نفطها احتيالاً على العقوبات، بأقل من أسعاره الحقيقية في السوق. المهم بالنسبة لها، أن يصل النفط إلى مشتريه بصرف النظر عن قيمة عوائده. والمصيبة الأكبر أن ''اقتصاد الاحتيال'' السائد حاليا في إيران، لن يقدم الدعم المالي المطلوب للنظام في البلاد، بالشكل الذي يدعم ''أجندات الهلاك'' المختلفة داخلياً وخارجيا، إلى درجة أن عجزت السلطات حتى عن دفع رواتب الموظفين العاملين في المنشآت النووية نفسها! يُضاف إلى ذلك، أن الدول الغربية، لم تكتف بعد بحزم العقوبات التي فرضتها إلى الآن على إيران، هناك المزيد في الطريق. وتلاحق هذه الدول، حتى أولئك الذين يشتركون مع النظام الإيراني في الاحتيال على العقوبات، بعد أن وعدتهم بالويل.
لا توجد سوى طريقة واحدة الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قيمة (بل وجود) الريال الإيراني، وهي أن يقبل نظام خامنئي بما هو معروض عليه من مغريات حقيقية، تتمثل في أحقية بلاده في امتلاك قوة نووية سلمية بإشراف دولي. فالأمور لا تتجه فقط نحو مزيد من العقوبات الضاربة، بل تسير باتجاه حسم عسكري، ستكون آثار ''الحرب الاقتصادية''، أقل بكثير من آثاره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي