انعكاسات زيادة الإجازة الأسبوعية للقطاع الخاص

تلقى العاملون في القطاع الخاص في المملكة بتفاؤل، إعلان وزير العمل بشأن دراسة فكرة حصول موظفي القطاع الخاص على إجازة يومين أسبوعيا؛ بينما سارع بعض أرباب العمل إلى التحذير من أنها ستؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج وأسعار السلع والمنتجات.
من المؤكد أن إجازة اليومين تعزز قدراً من الاستقرار النفسي والأسري والاجتماعي لعاملي القطاع الخاص، ويرى بعض الاقتصاديين أنها ترفع معدلات الإنتاجية، كما يجزم عديد من المراقبين أنها تسهم في تسريع إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الأجنبية. إلا أن آثار الإجازة الممتدة تختلف حسب الاقتصادات وهيكلية سوق العمل ومدى تخفيضها ساعات العمل بشكل عام.
في هذا السياق، تعاني المملكة معدل بطالة مرتفعا بلغ 12 في المائة (7 في المائة للذكور و34 في المائة للإناث) حسب الإحصاءات الرسمية للنصف الأول من عام 2012. والحقيقة أن هذه البطالة - خاصة الأنثوية - تعود بشكل كبير إلى عوامل اجتماعية. كما تشير تلك الإحصاءات إلى أن إجمالي عرض العمالة السعودية (أي قوة العمل) خلال الفترة نفسها بلغ نحو 4.8 مليون عامل، بينما بلغ الطلب على العمالة (أي إجمالي المشتغلين في مختلف الأنشطة الاقتصادية) نحو 10.1 مليون عامل. ويُظهر الفرق بين العرض المحلي والطلب المحلي للعمالة فجوة في سوق العمل تمت تغطيتها باستقدام العمالة.
تدل هذه الأرقام على أن سوق العمل تشكو من ظاهرة تعرف بـ ''فوق الاستخدام'' أو Over-Employment، التي قدمها البروفيسور ميشيل فيرنيير أستاذ الاقتصاد في جامعة السوربون الفرنسية. وتتميز سوق العمل حسب هذه النظرية بخلل هيكلي بسبب ارتفاع الطلب على العمالة في قطاعات عدة فوق مستوى العرض كماً ونوعاً. وينتج عن هذه الحالة فجوة هيكلية تعالج بإجراءات طويلة الأجل.
وتفسر هذه النظرية طبيعة سوق العمل السعودية، فمن حيث الطلب على العمالة، نجده يستمر في الارتفاع بوتيرة سريعة بسبب متطلبات النمو المرتبطة ببرامج الحكومة الإنمائية والسياسات المالية التوسعية وما يواكبها من برامج التوظيف وإحلال العمالة الوطنية محل العمالة المستقدمة، من خلال إجراءات ذات حوافز وغرامات لحض منشآت الأعمال على استيعاب اليد العاملة الوطنية. ومن جهة أخرى، يصعب على عرض العمالة الوطنية تلبية هذا الطلب المتزايد بسبب هيكلية السكان وقوة العمل الوطنية في آن معاً، التي تشكو من عدم ملاءمة مؤهلات جزء كبير منها أو حتى رغبتها في تلبية الطلب، الأمر الذي يفسر اتجاه منشآت العمل إلى استقدام العمالة من الخارج.
قد يكون من الضرورة بمكان خفض المعدلات الحالية لساعات العمل في المملكة، إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنها تجاوز 50 ساعة في الأسبوع، ويراوح بين 34,8 ساعة في قطاع التعليم و66 ساعة في نشاط الفنادق والمطاعم. وفي هذا السياق يراوح المعدل في معظم الدول المتقدمة اقتصاديا بين 31 ساعة كما في هولندا و36 ساعة في ألمانيا، بينما يبلغ مستويات أعلى في الدول الأقل تقدما اقتصاديا. ومع ذلك فإن معظم الأبحاث التطبيقية التي اعتمدت على هذه الإحصاءات لم تتمكن من تفسير هذه الظاهرة من حيث وجود علاقة سببية تربط بين عدد ساعات العمل الأسبوعية وتطور الإنتاجية أو مستوى نمو الدخل الوطني.
إن معالجة ظاهرة ''فوق الاستخدام'' لا تتم بواسطة إجرءات إدارية أو تنفيذية تتخذ بغرض إحلال اليد العاملة الوطنية محل اليد العاملة المستقدمة والقضاء على البطالة. كما أن تخفيض عدد ساعات العمل أو جعل العطلة الأسبوعية يومين قد يؤدي إلى ارتفاع في عرض اليد العاملة الوطنية خاصة بتحول عدد من المواطنين من فئة ''خارج العمل''، الذين يبلغ عددهم نحو 7,9 مليون - منهم 5,4 مليون من الإناث - إلى فئة ''قوة العمل'' التي تشمل المشتغلين والعاطلين معاً؛ إلا أنه من غير المؤكد أن يلائموا في المنظور القريب الطلب على العمالة وأن يحلوا بأعداد كبيرة مكان العمالة المستقدمة لأسباب هيكلية تتعلق بمستوى التأهيل المطلوب.
إن القضاء على ظاهرة ''فوق الاستخدام'' والبطالة في آن معاً يتطلب توافر التأهيل المناسب والتدريب المتطور والمتأني للعمالة الوطنية كي تؤدي منظومة سوق العمل دورها في الملاءمة بين حجم ونوعية عرض العمالة وحجم ونوعية الطلب عليها؛ ويعتبر تخفيض ساعات العمل الأسبوعية وجعل أيام الإجازة يومين خطوة في الطريق الصحيح لتحسين بيئة العمل والأعمال، إنما التحقق من مدى الآثار الاقتصادية لتلك الإجراءات يتطلب دراسة جدية ومعمقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي