إجازة يومين تزيد تكاليف العمل .. لكنه مطلب

نشرت ''الاقتصادية'' في عدد الخميس الماضي 30 آب (أغسطس) الماضي، ما خلاصته أن وزير العمل سيدشن حوارا يوم الثلاثاء يجمع الأطراف الثلاثة: الوزارة وممثلين عن أصحاب العمل وممثلين عن العاملين في القطاع الخاص. وموضوع الحوار حول فكرة جعل الإجازة الأسبوعية يومين، وخفض وتحديد ساعات عمل الأسواق ونحو ذلك.
نشرت ''الاقتصادية'' في العدد نفسه وجهة نظر عدد من رجال الأعمال، وملخصها أن تطبيق ذلك سيرفع التكاليف والأسعار. هذه الوجهة مفهومة، فقد تطورت لدينا عادة ساعات عمل الأسواق في ظل نظام إقامة، قائم على ما يسمى الكفيل، وسياسة استقدام مرنة على مدى نحو 40 عاما. أما القراء فتدل تعليقاتهم بوضوح على رفض وجهة نظر رجال الأعمال. واضح جدا أن هناك تعارض مصالح بين الطرفين، لكن ما شدني هو التبسيط المخل من البعض في فهم التأثيرات في التكاليف والأسعار، جراء تطبيق الموضوع المطروح للحوار.
هل ترتفع التكاليف؟ نعم. إعطاء مزيد من الميزات أو التعويضات للعاملين مثل خفض ساعات وأيام العمل وزيادة أيام الإجازات وزيادة الرواتب والمكافآت ... إلخ، تعني تلقائيا زيادة تكلفة اليد العاملة للساعة الواحدة. ويعني تلقائيا ارتفاع تكاليف الإنتاج على المدى القصير على الأقل، خاصة في الأنشطة التي تعمل أياما وساعات تزيد على أيام وساعات الدوام المقررة في نظام العمل. وما أكثر هذه الأنشطة.
أما على المدى البعيد، فالأمر مرتبط أيضا بعوامل أخرى مثل الإحلال بين العمل ورأس المال والتطور التقني.
ونتيجة لارتفاع التكاليف ستزيد الأسعار بصفة عامة. هل سيتحمل المستهلك وحده هذه الزيادة؟ الجواب عادة لا. المنتج في العادة لا يتمكن من رفع الأسعار بما يسد (يغطي) كل الزيادة في التكاليف. أي أن نسبة الزيادة في الأسعار ستكون أقل بصفة عامة من نسبة ارتفاع التكاليف، وسيتحمل المنتج جزءا من التكلفة، ما يعني انخفاض هامش الربح. لكن من الصعب جدا توقع قدر كل واحد، لأنه يتطلب تفاصيل وتحليلات كثيرة.
الكلام السابق عن ارتفاع تكلفة العمل المتوقع تحليل محايد، بغض النظر عن الرغبة في وقوع هذا الارتفاع من عدمه.
أما من جهة الرغبة فيه، فالأمر كذلك، أي أن ارتفاع تكاليف العمل في القطاع الخاص أمر مطلوب، وهنا توضيح.
ارتفاع تكاليف العمل يعني دفع الناس أكثر إلى الاعتماد على أنفسهم في أداء أعمال يدوية بسيطة. لا تنسوا أن العالم ينظر إلينا على أننا أحد أكسل الشعوب. كما يعني زيادة نصيب العمل في الدخل الوطني (القومي).
وحقيقة ليست لدينا إحصاءات دقيقة عن التوزيع الوظيفي أو التوزيع الشخصي للدخل. والمقصود بالتوزيع الوظيفي نصيب كل مصدر من مصادر الإنتاج (كالأجور والعائد على رأس المال وإيجار الأرض) في الدخل، أما التوزيع الشخصي فنصيب فئات المجتمع من الدخل، بغض النظر عن مصدره.
يتكون الاقتصاد السعودي من ثلاثة قطاعات رئيسة: النفط والخاص والحكومة. وتعطي مصلحة الإحصاءات العامة بيانات عن حجم كل قطاع منها. كما تعطي بيانات عن تعويضات الموظفين.
سنستبعد قطاع النفط، لأن جل عوائده تذهب إلى الحكومة (مصروفات أرامكو تقتطع مسبقا). ومن مقارنة تعويضات الموظفين، وكما يظهر في الجدول المرفق، بحجم كلا القطاعين الخاص غير النفطي والقطاع الحكومي، يمكن الخلوص، وبصورة مبدئية وغير مباشرة، إلى انخفاض مساهمة العمل في الدخل الوطني (القومي).
النسب تتناسب مع المؤشرات الدالة على تناقص الطبقة المتوسطة (كتبت عن هذا الموضوع تحت عنوان ''هل الطبقة المتوسطة في تناقص؟'' في عدد ''الاقتصادية'' 13 أغسطس من العام الجاري). وللمقارنة، تراوح نسبة نصيب العمل إلى الدخل الوطني في الدول الصناعية في المتوسط بين 55 و58 في المائة.
وانخفاض نصيب العمل، يشير في الغالب إلى انخفاض قوة ونفوذ العاملين لحساب قوة ونفود أصحاب المال. لم نكن في الماضي نأبه لذلك في ظل سيطرة غير السعوديين على وظائف القطاع الخاص، أما وقد أصبح توطين الوظائف هدفا استراتيجيا، فإن رؤى الناس تتغير تبعا.
ومن ثم فهناك مبرر آخر لرفع تكاليف العمل هو السعودة، فجعل أيام العمل خمسة أيام أسبوعيا، وخفض ساعات عمل الأسواق عاملان مهمان لنجاح مساعي توطين الوظائف والأنشطة. وللفائدة، ساعات العمل المطلوبة نظاما من العامل في الأسواق تسع ساعات وليست ثماني، لكن من المهم أن يعرف أنهما لا يكفيان ولا يضمنان وحدهما نجاح تلك المساعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي