«الخطوط السعودية».. 300 مليار مبيعات التذاكر.. وتخسر!

سيداتي وسادتي نحن الآن على مقربة من مطار جدة الدولي، المرجو من حضراتكم العودة إلى مقاعدكم وربط أحزمتكم استعدادا للهبوط في مطار الملك عبد العزيز الدولي. ما أسعدها من كلمات تنسينا أيام الغربة وفراق الأحبة بمجرد الاستماع إليها في كل رحلة عودة من خارج الوطن طوال مدة الدراسة، وكنت أحرص على سماعها داخل طائراتنا الخطوط السعودية لأنني أشعر بأنني على أرض وطني بمجرد دخول الطائرة تلك الطائرة المرفهة بمقاعد واسعة و .... (كانت مرفهة حقيقة وقتها مقارنة بشركات طيران عالمية). واليوم وبعد أكثر من 30 عاما من تطور علمي عالمي وتكنولوجي، والأهم من ذلك حجم المصروفات على هذه المؤسسة والاهتمام بها, أجد نفسي متحسرا كلما أغمض عيني داخل الطائرة، متذكرا تلك الأيام التي كنا نشعر فيها بالفخر والاعتزاز بخطوطنا السعودية فأفتح عيني وأرى وضعنا وطائرة اليوم، وأتساءل: هل إدارة هذه المؤسسة هي التي جعلت ذلك الحلم سرابا؟ هل يعقل مع كل المليارات التي تبذل بسخاء على المؤسسة أن طائراتها وخدماتها الآن لا تقارن بطائرات وخدمات شركات عالمية لدول فقيرة؟ فما الذي يحدث في هذه المؤسسة وأين الخلل؟
إن ما دفعني وبقوة للتفكير وكتابة هذا التحليل المالي, والمقصود بالمالي أرقام من أرقام, ذلك الإعلان الذي يحرق القلب على وطننا الحبيب وعلى ملياراته الضائعة، بل المضيعة في أيد، إما فاسدة نفسيا وإما فاسدة إداريا وغير قادرة على أداء الواجب وتحمل المسؤولية، وكل هذا يدخل تحت دائرة الفساد الذي تقوم الدولة بمكافحته وبتوجيهات من مقام خادم الحرمين - حفظه الله - واهتمام شخصي منه. ذلك الإعلان الذي شنفت مسامعنا به إحدى أشهر القنوات الفضائية وتخلل عرضه بإحدى أكثر المسلسلات الرمضانية متابعة ما يؤكد أهمية الإعلان لـ ''الخطوط السعودية'' ودقة المعلومات والبيانات الواردة فيه وضخامة حجم الإعداد له والإنفاق عليه.
عودة إلى عالم الأرقام التي سببت لي الصدمة الرقمية التي يدور في فلكها ذلك الإعلان، فليس فيه أي محتوى يتلمس حاجة المستفيد من الخدمة فماذا تعني له 14800 رحلة يوميا؟ نعم 14800 رحلة يوميا. وماذا يستفيد من أكثر من 900 وجهة دولية؟ لا تركيز ولا حتى ذكر لما يحتاج إليه وما يتطلع إليه المستفيد الأخير (العميل) على هذه الرحلات من خدمات, حتى الصالات الخاصة برجال الأعمال، فخدماتها على الأرض فقط ولعدد محدود من الركاب قد لا يزيد على 10 في المائة, في الوقت الذي تقدم شركات الطيران لدول مجاورة لنا خدمات فندقية داخل طائراتها ما علينا, فليس من حقنا الكلام ولن نضيف جديدا به فالمطالبات والشكاوى من الخدمات تتكرر حتى لم نعد نحس بها ولذلك سنحلل الأرقام والأرقام فقط.
أولا وأخيراً: ما الخطوط السعودية هي قطاع أو شركة (كأي شركات الطيران العالمية) تقدم خدمات نقل جوي للمواطن وغير المواطن مقابل مبالغ تعادل أو قريبة جدا من أسعار شركات النقل الجوي العالمية الأخرى، بمعنى أن الأسعار موحدة لجميع العملاء المواطن وغيره. ولو فرضنا جدلا أن مستوى الأداء العام لـ ''الخطوط السعودية'' يشابه مثيلاتها من شركات الطيران العالمية، فإننا نستطيع استنتاج معلومات وبيانات محيرة ومقلقة مباشرة من الأرقام الواردة في الإعلان وللوصول لذلك:
لنفرض أن متوسط عدد الركاب على الرحلة 200 راكب ولنفرض أن متوسط سعر التذكرة 300 ريال (على الرحلة) وهذه متوسطات متواضعة جدا بمعنى أن الطبيعي أعلى منها، خاصة عند الأخذ في الاعتبار الرحلات الدولية، فأغلبية الرحلات ذهاب وإياب، وتحسب رحلة واحدة أحيانا وسعر تذكرة ذهاب وعودة. ومعلوم أن عدد أيام السنة 365 يوما، حيث إن عدد الرحلات طبقا للإعلان 14800 رحلة يوميا (بالطبع هناك رحلات أخرى) وبعملية حسابية بسيطة نجد أن:
ناتج عملية الضرب (14800 × 200 × 300 × 365) هو عبارة عن:
مجموع مبالغ مبيعات التذاكر = 324,120,000,000 ريال.
واضحة ضخامة الإيرادات وغير صحتها، لكنها من معطيات إعلان ''الخطوط السعودية''، الذي تكرر مرات عدة يوميا خلال أيام من شهر رمضان 1433هـ. ولو فرضنا نسبة الخطأ 70 في المائة فإن الإيرادات تصبح نحو 100 مليار ريال تقريبا.
ونظرة اقتصادية بحتة، شركة طيران يبلغ حجم مبيعاتها هذا المبلغ الضخم من تذاكر السفر فقط 100 مليار (دون حساب للإيرادات الأخرى الوزن الإضافي والشحن الجوي وغيرها) .. فما صافي أرباح هذا القطاع أو هذه الشركة؟ شركة معفاة من الضرائب الداخلية ولا تدفع أي تعويضات للمسافرين, تحصل على تسهيلات في أسعار الوقود، وليس لها منافس، وتفرض شروطها على الشركات الأخرى للنقل من وإلى المطارات السعودية، وبكل هذا الدلال والرعاية والعناية والاهتمام من الدولة .. كيف يمكن لشركة كهذه أن تقول إنها تخسر؟ معنى واحد فقط هناك خلل كبير .. فأين هذا الخلل؟ وما علاقة وزارة المالية بهذه المعطيات وبميزانية الخطوط؟ والجواب عن جميع هذه الأسئلة لست أدري. وبكل شفافية أحيل هذه الأسئلة إلى هيئة مكافحة الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي